ظل الصين يخيم على الانتخابات العامة في باكستان
تواجه الرابطة الباكستانية الإسلامية برئاسة نواز شريف، وحزب الشعب الباكستاني، وحركة الإنصاف الباكستانية (تحريك انصاف) في انتخابات الأربعاء المقبل قضايا بارزة تتمثل بمشكلة الانقسامات العرقية العميقة ومضاعفات النمو الاقتصادي.
تشهد باكستان انتخابات عامة في الخامس والعشرين من شهر يوليو الجاري وتتنافس فيها ثلاثة أحزاب هي: الرابطة الباكستانية الإسلامية برئاسة نواز، وحزب الشعب الباكستاني، وحركة الإنصاف الباكستانية (تحريك انصاف).وتواجه هذه الأحزاب قضايا بارزة تتمثل بمشكلة الانقسامات العرقية العميقة ومضاعفات النمو الاقتصادي الذي تدعمه الصين ونفوذ الجيش، ولا يزال من غير الواضح من هو الذي سيستفيد من النمو السريع في الاقتصاد الباكستاني، وكانت الحكومة الحالية حققت نمواً اقتصادياً بلغ نحو 5 في المئة سنوياً خلال الأعوام الخمسة الماضية، وتمكنت من تحقيق ذلك من خلال تحسين إيصال الكهرباء إلى الصناعات الرئيسة وعرض تخفيضات ضريبية كبيرة على الشركات الكبرى، والحد من الإرهاب واجتذاب الاستثمارات الصينية، ويعد التحسن الناجم بتحسينات لافتة في مستويات معيشة الملايين من الباكستانيين لكنه ينطوي أيضاً على مخاطر جدية.وقد خلق الإنفاق الواسع عجزاً مالياً ضخماً وأعباء ديون خارجية، وإذا استمر من دون احتواء قد يرغم الحكومة على قبول خطة إنقاذ كارثية طرحها صندوق النقد الدولي، كما أن تدفق الأموال الصينية يمكن أن يساعد في تغذية خزائن الدولة، لكن الكثير من الباكستانيين يقلقهم شبح الاستعمار الصيني الجديد وخصوصا في الممر الاقتصادي الصيني– الباكستاني، وهي خطة قد تشهد تغلغل المشاريع الصينية في كل جوانب الاقتصاد الباكستاني، كما أن نظام المراقبة الأمنية الذي تديره الصين في المدن من بيشاور إلى كراتشي عزز المخاوف بقدر أكبر من نفوذ صيني أعمق.
وقد التزم الحزبان الرئيسيان في المعارضة بتحقيق «اقتصاد قوي»، لكن خططهما مبتذلة الى حد كبير. ويركز بيان حزب الشعب الباكستاني، بخلاف أي من منافسيه، على إعادة توزيع ثمار النمو المحسن، ويعد بتحسين التجارة ضمن المنطقة، ولكن سياسته الاقتصادية الرامية الى دعم التصنيع– وهو الدعامة الرئيسة للنمو الوطني– تظل غامضة، وقال حزب التحريك أيضاً إنه سيتابع تحقيق الازدهار وخفض معدلات الفقر، ولكن قبل أقل من شهر على الانتخابات أخفق في تحديد كيفية تحقيق هذا الهدف، ومن دون مزيد من التوضيح من جانب المعارضة قد يفضل الناخبون التمسك بحزب تم اختباره وتجربته.من الجانب المستفيد؟يشيد أنصار حزب الرابطة الإسلامية به بسبب مشاريعه الكبرى في البنية التحتية مثل نظام الحافلات والمترو الرئيسي، ولكن في حقيقة الأمر فإن هذا الحزب ركز في مشاريع التنمية على إقليم البنجاب بغية دعم قاعدته الشعبية هناك، ويواصل هذا نموذجاً طويلاً من التنمية الوطنية غير المتوازنة التي حشدت مزايا البنجاب على حساب أقاليم خيبر باكتونخوا والسند وبلوشستان، وأفضى ذلك بدوره إلى تفاقم التوترات العرقية في البلاد.ويتمتع حزبا المعارضة بدعم قوي في أقاليمهما: ويدير حزب الشعب الباكستاني الحكومة في السند ويحكم حزب باكستان تحريك خيبر باكتونخوا ويقومان بحملات دعائية واسعة في البنجاب بغية ضمان الحد الأدنى من الأصوات– 10 ملايين صوت– المطلوبة لإطاحة الحكومة هناك.ويتمتع حزب الرابطة الإسلامية بمعقل عرقي وتاريخ من الدعم في إقليم البنجاب، ولكن مع الحملات القوية من جانب المعارضة الرامية إلى اجتذاب الناخبين هناك يتوجه الحزب إلى خارج الإقليم، ويعد بتحقيق بنية تحتية قوية للنقل فيه.
الحكومة الأخرى
ولكن القوة الحقيقية في باكستان تتمثل بالجيش، وهو يتمتع بشعبية واسعة في أجزاء كبيرة من البلاد، وبنفوذ ضخم على الحكومة المدنية والمجتمع، وفي السنة الماضية وحدها تعرض عدد من الصحافيين الناقدين للجيش الى تهديدات تتعلق بسلامتهم الشخصية بما في ذلك الكثير من محاولات الاختطاف. ويسيطر الجيش أيضاً على معظم وسائل الإعلام، وقد منع توزيع صحيفة «دون»، وهي أكبر صحيفة باكستانية تصدر باللغة الإنكليزية في أجزاء واسعة من جنوب باكستان، بعد أن نشرت مقابلة مع رئيس الوزراء السابق نواز شريف انتقد فيها الجيش، واتهمه بالعمل على شكل حكومة موازية. وقد تصاعدت التوترات بين نواز شريف والجيش في شهر أكتوبر من عام 2016 بعد أن أكد شريف دوره في السياسة الخارجية والأمن القومي، حيث يهيمن الجيش بشكل تقليدي. كما مضى إلى حد تحذير الجيش من عزلة باكستان الدولية المتنامية بسبب دعمها للميليشيات، وتمثل رد الجيش في المطالبة بتوجيه الاتهام بالخيانة الى الصحيفة والصحافي المسؤول عن تسريب تلك الأخبار.وحدث اشتباك بين شريف والجيش مرة ثانية في العام الماضي عندما أجرت المحكمة العليا تحقيقات حول اتهام شريف بالفساد، وشمل فريق التحقيق أعضاء في وكالات الاستخبارات والتجسس، وقضت المحكمة العليا التي يتهمها البعض بالتعاون الوثيق مع الجيش بعدم أهلية شريف لرئاسة حزب سياسي، وفي السادس من شهر يوليو الجاري قضت محكمة المساءلة في باكستان بسجن شريف عشر سنوات، ودفع غرامة قدرها ثمانية ملايين جنيه إسترليني بتهمة تملك أصول تتخطى دخله المعروف، وعلى الرغم من هذا الحكم ظل نواز شريف شخصية قوية في حزبه ولا يزال يتمتع بشعبية واسعة بين مؤيديه.المنافس الذي يفضله الجيش هو عمران خان من حزب «باكستان تحريك» الذي اكتسب قاعدة دعم قوية نتيجة حملاته ضد الفساد، كما أن خان نظم حفلات موسيقية لاجتذاب المؤيدين، لكن ذلك لسوء الحظ طغى على إنجازات الحكومة الإقليمية التي يقودها الحزب في خيبر باكتونخوا، حيث حقق الحزب خطوات كبيرة في ميادين الرعاية الصحية والتعليم.من جهة أخرى، قامت الحكومة باستثمارات ضخمة في مجالات البنية التحتية أسهمت في تعزيز النمو الاقتصادي، لكنها أفضت إلى زيادة الديون التي تهدد بحدوث تباطؤ وبزيادة الاعتماد على المساعدات من جانب الحكومة الصينية. وعلى أي حال لا يزال على أطراف التحدي أن تثبت دورها على المسرح الوطني، كما يتعين على تلك الأطراف أيضاً الكشف عن استراتيجية واضحة تهدف الى تحسين مستويات المعيشة بالنسبة الى المواطن الباكستاني العادي.والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل يعمد الناخبون الى اتخاذ قرار بتوخي جانب الحذر والتوجه نحو التصويت الى حزب الرابطة الإسلامية– نواز الذي يعرض عليهم تنمية سريعة؟ أم أنهم سيلقون النرد لاختيار حزب الشعب الباكستاني أو حزب تحريك إنصاف الذي يطرح رؤية خيالية عن باكستان مزدهرة وخالية من الفقر؟ وفي الحالتين فقد اقترب موعد الانتخابات بسرعة، وقد يكون يوماً حاسماً حقاً في تاريخ ذلك البلد.*روزيتا أرميتاغ – كوارتز
حزب الرابطة الإسلامية يتمتع بمعقل عرقي وتاريخ من دعم إقليم البنجاب