يبرع الأستاذ عبد العالي سعد الجري في تحويل بقايا الأشجار إلى قطع وتحف فنية لافتة. في سؤال حول سبب تركيزه وتميزه في هذا النشاط الفريد من نوعه الذي يندر جداً بين الشباب في الكويت، صرّح لـ «الجريدة»: «السبب الرئيس نشأتي وطفولتي في منطقة أبو حليفة التي تتميز بأنها إحدى أفضل المناطق الزراعية قديماً». امتلاك عائلته مزارع مخصصة للخضراوات والأعلاف والأشجار، جعله يحبّ الطبيعة عموماً، كذلك أسهم في تميّزه في هذا المجال تشجيع أخيه الأكبر سالم الجري وإرشاده، إذ كان له بعض اللمسات الفنية على منحوتات خشبية خاصة كان يعرضها للأقارب والأصدقاء.
وتابع الجري: «تعلّمنا من آبائنا وأجدادنا من أصحاب المزارع، تحديداً في منطقة أبو حليفة، بأن للأشجار فوائد عدة فهي تلطف الهواء وتقلل نسبة التلوث فيه، وتساعد على تنقيته، وتعمل أيضاً على إزالة الغبار والأوساخ والأتربة منه».
العلم الحديث
وقال عبد العالي الجري إن العلم الحديث يبيِّن لنا أن الاشجار عموماً تعتبر من الثروات الطبيعية المهمة لحياة الإنسان، وهي الأطول عمراً على كوكب الأرض، ومن أهم عناصر جماله وروعته، كذلك حثنا الإسلام على العناية بها وزرعها وغرسها نظراً إلى فوائدها العظيمة والمتعددة.الفوائد البيئية
وحول مدى الجدوى الاقتصادية والفوائد البيئية لإعادة تصنيع الأشجار وبقاياها أوضح الجري أن المشروع يسهم في الحفاظ على البيئة، من خلال عدم اللجوء إلى حرق المخلفات الزراعية لأشجار الكويت، إضافة إلى الاستثمار في الصناعات التراثية للحفاظ على الهوية الوطنية، ذلك لارتباط النجارة ومنتجاتها بهوية ومفردات البيئة الكويتية المحلية.وأشار إلى أن مهنة النجارة في الكويت ارتبطت قديماً بحرفيين تفننوا في إتقان عملهم بتأمين الكثير من مستلزمات البناء وأدوات المنزل حتى صارت كلمة النجار تقترن بألقاب وأسماء عائلات اشتهرت ببراعتها في تلك الحرفة، وأضاف: «حاولت استثمار مهنة «خراطة الأخشاب» في إعادة التدوير».فعاليات عالمية
وتطرق الجري إلى أن له نشاطات عدة في الكويت من خلال ورش عمل عدة وفعاليات، إضافة إلى إقامة لقاءات عبر وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة. فضلاً عن ذلك، شارك في أبرز فعالية عالمية في لوس أنجلس في الولايات المتحدة الأميركية، وهي مخصصة للمحترفين من الفنيين بخراطة الأخشاب وتقام كل سنة في دولة مختلفة، وهو مثّل الكويت إلى جانب فنيين خليجيين وعرب من الكويت والسعودية والإمارات ومصر والمغرب وغيرهم من دول العالم. تابع في هذا السياق: «شاركت مع الزميل فهد الهاجري بمنحوتة تتناول تراثنا الخليجي والعربي الأصيل، وهي عبارة عن مجسم بطول ثلاثة أمتار يصوِّر الخيول العربية عبر تصميم 11 رأس حصان عربي مع موجة غبار من الخلف. وحازت المنحوتة إعجاب اللجنة المنظمة وأشادت بها ولله الحمد».الأشجار المحلية
وعن أفضل الأشجار المخصصة التي يعمل عليها في مجاله، قال الجري: «أشجارنا المحلية والصحراوية هي الأفضل لقوتها وحفاظها على متانتها أثناء العمل عليها، ويرجع السبب إلى قلة شربها الماء، ما يجعلها قاسية جداً ومقاومة للنمل الأبيض وتصلح للصناعات الخشبية».تابع: «كذلك يمكن تحويل خشبها إلى فحم، لا سيما أشجار السدر والصفصاف والبرهامة والأثل والبمبر...».وعن مشاريعه المستقبلية تطرّق الجري إلى أنه يطمح إلى إقامة دورات للشباب الراغبين في تعلّم هذه المهنة لنشرها وكي تعمّ فائدتها.مردود مادي
وكشف عبد العالي الجري أن العمل على جهاز الخراطة يحتاج إلى التدريب، فهو ليس بالسهل نتيجة المخاطر التي قد تحصل أثناء الاندماج بالعمل عليه، إذ إن أي خطأ أو تقصير يتسبب في تطاير شظايا الماكينة ويؤدي إلى إصابات، وهو أمر قد يتعرّض له المبتدئون».وطالب الجري الجهات المسؤولة كالزراعة والبلدية بعدم حرق أو دفن بقايا الأشجار، مشيراً إلى ضرورة التوجه الجاد والفعلي إلى دعم هذه المهنة عبر مشاريع شبابية صغيرة ومتوسطة لما فيها من منافع كثيرة ومردود مادي جيد.مراعٍ للنحل
شجّع عبد العالي الجري على غرس الأشجار والحفاظ على الأراضي الزراعية لأنها ثروة عظيمة، وختم: «يحثّنا ديننا الإسلامي على عمارة الكون وزراعة الأشجار، خصوصاً الصحراوية والمناسبة لطقسنا الحار والجاف، فهي غير مكلفة ولا تحتاج إلى أية رعاية على عكس الأشجار المستوردة. كذلك يمكننا استخراج المنتجات الغذائية منها، فضلاً عن أنها تصلح كمراعٍ للنحل ولاستخلاص المنتجات الطبية والتنظيفية منها. أما عند اقتلاعها مثلاً أو إصابتها بمرض ما، فإننا كفنيي خراطة نستطيع تحويلها إلى مجسمات وتحف فنية».