رحّب المهتمون بالشأن الثقافي بتدشين أول منتدى للشعر في مصر، لا سيما أنه يأتي في وقت يمرّ فيه الشعر عموماً بأزمة في ظل تصاعد الألوان الأدبية السردية من قصة ورواية وغيرهما، وهي أزمة ليست بالحديثة.والشعر، كما رأى المشاركون في المنتدى، لم يعد اللون الأدبي صاحب الغلبة في عصر العلم والتكنولوجيا، إذ يبحث الناس عن الرواية لما تنطوي عليه من التوفيق بين النظرة العلمية وبين رغبة الإنسان الدائمة في التحليق مع الخيال.
دعم معنوي
وأكد بيان التأسيس أن المنتدى يأمل في أن يكون «قاطرة في سبيل تحفيز الواقع الثقافي على إقامة تشكيلاته وجماعاته الأهلية بعيداً عن كل وصاية، ويعوِّل على الدعم المعنوي الذي ينتظره من الشعراء والمثقفين في مصر وخارجها باعتباره ملكاً لهم، فالمنتدى لا يعدو أن يكون جزءاً من حراكهم ونتاجاً لنضالهم. وأضاف البيان: «بعد مرور نحو عشرات السنين على انطلاق حركة الحداثة، ما زال أصحاب التصورات الثابتة يهيمنون على كل شيء، بينما أضيف لهم فساد الفاسدين وتكاثر الأميين والأدعياء وأنصاف المتعلمين، في مشهد ربما هو الأكثر ضعة والتباساً، والمشكلة أن هؤلاء يكافئون مواليهم وليس الموهبة، يقتلون الشاعر ويستبدلون به ظله، ويدافعون عن الغوغائية والبلطجة لا عن أنماط التفكير الحر».وقال الشاعر محمود قرني إن السؤال الأبرز الذي يواجه الشعر راهناً: هل ما زال الشعر يحتفظ بدوره في العالم المعاصر الذي تعددت فيه أشكال الكتابة؟ وهل ما زال الشاعر يعد شعره مصدر فخره واعتزازه؟ وأضاف: «ثمة أشكال شعرية أصبحت تواجه إشكالات لم يلح أي حل لها، وعلى رأسها قصيدة النثر، التي انتهكت على نحو ما خصوصية الشعر وأساليبه، وجعلته أشبه بفضاء مفتوح إزاء أشباه الشعراء».وأكد قرني أن المنتدى سيُعنى بعقد ندوات لمناقشة الكتب النقدية والفكرية التي تتناول الظواهر الشعرية المؤثرة في شعريتنا الحديثة، وسيكون أكثر انفتاحاً على أجيال وأنواع شعرية متعددة ومتباينة، وسيعمل على إطلاق مجلة للشعر كواحدة من الأدوات التي يجب أن تعمل على صناعة الحاضنة الملائمة لسياق شعري متماسك يتجاوز كثيراً من مناخات المجانية والشيوع، على أن يطلق الدورة المقبلة لملتقى قصيدة النثر في بدايات العام 2019 بمشاركة نوعية عربية وعالمية.ينظم المنتدى ندوة نصف شهرية، تُعنى بمؤازرة المواهب الشعرية الجادة والجديدة، عبر أمسيات متواترة، ويطمح إلى أن يكون ساحة للنقاد المؤثرين لمناقشة الأعمال الشعرية الجديدة، مع الاحتفاء بشعراء استقرت تجاربهم ولم يلقوا الاحتفاء الذي يليق بمنجزهم.الشعر وعلم الجمال
قال الدكتور شاكر عبد الحميد (وزير الثقافة السابق في مصر) إن الشعر ارتبط على الدوام بالبحث في الحقيقة الجمالية التي اختلف عليها الفلاسفة والمفكرون والفنانون على مر الزمان. وأضاف أن الشعر ارتبط بعلم الجمال، فقد نشر المفكر برنجتن في عام 1735 كتاباً بعنوان «تأملات فلسفية في الشعر»، ميز فيه بين الجمال في الشكل وبين الخبرة الجمالية الاستاتيكية، وكانت تلك النقطة هي ارتباط علم الجمال بالشعر، قبل أن يأتي المفكر إدموند بيرك ليواجه وجهة النظر تلك، قائلًا إن الجمال خاصية معتمدة على الأجسام التي تستثير الحب. وأضاف أن لأزمة الشعر أسباباً عدة من بينها سرعة التغير التي يتسم بها عصر الثورة الرقمية، وعصر الذكاء الصناعي الآخذ في النمو والبروز، فذلك التغير السريع إنما يصنع أجيالاً لها ذائقة فنية جديدة ومختلفة، وليس أدل على أزمة الشعر إلا هجرة كثير من الشعراء إلى كتابة الرواية خلال السنوات الأخيرة. وشهد التدشين أمسية شعرية ألقى خلالها شعراء قصائد عدة، ومن بينهم هاني الصلوي، ونبيل سبيع، وفتحي أبو النصر من اليمن، وعلي الكامل من السودان، ورشا عمران من سورية، وفريد أبو سعدة، وعلي منصور، وفاطمة قنديل، وهدى عمران، ورنا التونسي من مصر.