لأن اليهود كانوا ضحايا التعصب القومي في ألمانيا الهتلرية النازية فقد كان عليهم أن يكونوا الأكثر رفضاً للخطوة العنصرية التي أقدم عليها بنيامين نتنياهو، إذ لا أسوأ من أن يتحول الدين إلى قومية متزمتة تغلق أبواب الانعزالية المقيتة على نفسها وعلى أتباعها، خصوصا إذا كان هناك شركاء في الدولة المعنية، على غرار ما هو عليه الوضع في فلسطين المحتلة منذ عام 1948، حيث هناك الآن نحو عشرين في المئة من السكان، بعضهم عرب مسلمون، وبعضهم الآخر مسيحيون... وبالطبع فإن هناك أقلية صغيرة من الأرمن والبهائيين، وأيضاً من الشراكسة و"السامريين" الـ"شمرونيم".إنه لابد من الإشارة إلى أن المؤكد أن نسبة مرتفعة من اليهود المنتشرين في العالم كمواطنين في الدول التي يقيمون فيها والتي أصبحت مع الوقت ومرور الزمن دولهم، وبعضهم يحتل فيها مواقع قيادية عليا، سيرفضون هذه الخطوة التي ستتسبب في مشاكل كثيرة لهم والتي ستسلط عليهم الأنظار على اعتبار أنهم كأتباع لهذا الدين الذي أصبح قومية مغلقة سيُنْظر إليهم النظرة نفسها إلى مؤيدي الـ"أبرتهايد" في جنوب إفريقيا، قبل أن يقود البطل نيلسون مانديلا معركة الحق والمساواة والتسامح ضد عنصريةٍ كان البعض يعتبرها نسخة ثانية من النازية الهتلرية.
قبل أيام قليلة أطلق الحاخام الأميركي الكبير يعقوب شبيرو تصريحاً مدوّياً رفض فيه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس واعتبارها عاصمة الشعب اليهودي، وقال إن الحركة الصهيونية حركة قومية استعمارية وإن اليهودية دين لا دولة، وإنه لا توجد أي علاقة سياسية على الإطلاق بين الشعب اليهودي والقدس... إنها مجرد مدينة مقدسة، والشعب اليهودي لم تكن له عاصمة من قبل... الشعب اليهودي ليس له بلد ولا دولة ولا منطقة، الشعب اليهودي مجموعة دينية، نحن نصلي في اتجاه القدس فقط، لأنها مدينة مقدسة لا لأنها عاصمة سياسية.وهكذا ولنتصور ماذا سيحدث في العالم من هزات وزلازل سياسية لو أن الولايات المتحدة تعلن أن "البروتستانتية" هي قوميتها، وتعلن فرنسا أن "الكاثوليكية" هي الأمة الفرنسية، وتعلن روسيا ومعها اليونان أن "الأرثوذوكسية" أمة وليست ديناً فقط، وتعلن إيران المذهب الشيعي بديلاً عن الفارسية كقومية، وهذا في هذه الحالة الافتراضية ينطبق على الدول العربية كلها، وعلى المسلمين كلهم، وبحيث تصبح باكستان "إسلام ستان" وتصبح أفغانستان "إسلام ستان" أيضاً! هذه الخطوة التي أقدم عليها بنيامين نتنياهو تدل على أن صاحبها يعاني عقدة عنصرية تاريخية ربما استمدها من كتاب والده "مكان تحت الشمس"، ولعل ما لم يحسب حسابه أن اليهود في العالم كله سيدفعون ثمن هذا غالياً، إن على المدى القريب وإن على المدى البعيد، والآن ستنظر شعوب العالم وقواها السياسية إلى إسرائيل كنسخة من ألمانيا في العهد النازي الذي كان اليهود على رأس قائمة ضحاياه، وكنسخة من جنوبي إفريقيا في عهد نظام الـ"أبرتهايد" الذي كان محارَباً ومرفوضاً من معظم دول وسكان الكرة الأرضية... وحقيقة فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي بهذه الخطوة قدم إسرائيل إلى العالم كدولة عنصرية، وهذا إن لم يكن غباءً فحماقة سياسية قد وضع بها في اليد الفلسطينية والعربية إثبات أن الحركة الصهيونية حركة استعمارية عنصرية، كما قال الحاخام اليهودي الكبير يعقوب شبيرو.
أخر كلام
هذه هي إسرائيل!
23-07-2018