تقرير محلي : إجراءات قانونية غابت عنها الإصلاحات التشريعية والتنفيذية
بعد أن كانت أحد الملفات التي تُستخدَم لأغراض وأهداف سياسية بين السلطتين، حظيت قضية الشهادات المزورة والوهمية مؤخراً بانتباه حكومي ونيابي، ولكن هل الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة، ودعمها أعضاء مجلس الأمة، كفيلة بالقضاء على تلك الظاهرة؟«أن تصل متأخراً خير من ألا تصل»، مقولة تنطبق على وزير التربية وزير التعليم العالي د. حامد العازمي، الذي بادر إلى تحريك القضايا ضد المزوِّرين، لكن المبادرة، كما يبدو، ليست قراراً جماعياً على المستوى الحكومي، بقدر ما هي تحرك استثنائي من الوزير وفريقه، قد ينتهي بخروجه من الوزارة.فالبيانات الحكومية المتتالية فيما يتعلق بحادثة التزوير الأخير سلطت الضوء على الإجراء القانوني والعقوبات المتخذة حيال ما تم ضبطه من شهادات وأصحابها، ولكن غاب عنها بيان الإصلاح الإداري المطلوب لضمان عدم تكرار التزوير، فالثغرات القانونية لا تزال قائمة، والأحكام القضائية كثيراً ما تكون لمصلحة المواطنين الحاصلين على شهاداتهم بوسائل لا تمنحهم المعرفة والعلم، بل ورقة وهمية تزيد من رواتبهم الحكومية.
تدرك الحكومة، ومعها مجلس الأمة، أن السعي خلف الشهادات العليا في الكويت اليوم أصبح مرتبطاً بالمردود المادي المترتب عليها، لا التحصيل العلمي المنتظر منها، وهذا الخلل صنعته التشريعات «الشعبوية»، ودفعت الدولة، ولا تزال، أثمانه عبر خلق أجيال ترى في الشهادات- أياً كانت- معياراً وبوابة للوصول إلى المناصب، دون اعتبار للكفاءة والخبرة، وساهمت في ذلك التدخلات السياسية والنيابية بقبول ورضا حكومي. فهل اتخذت الحكومة، أو تحمل رؤى، قادرة على إصلاح الهرم المقلوب في السلم الوظيفي؟ لقد طرحت السلطة التنفيذية في سنوات سابقة قانوناً لإصلاح سلم الرواتب في الدولة، ووضعت الكفاءة معياراً والعدالة هدفاً، ولكنها سرعان ما تراجعت عن قانونها تحت ضغط نيابي وشعبي لا يريد التخلي عن مكاسب «غير مشروعة»، حققها في ظروف سياسية تسببت في خلل جسيم بالجهاز الإداري، وهو ما يجعلها- أي الحكومة- شريكاً رئيسياً فيما آلت إليه الأمور اليوم.من ينظر إلى قوائم الخدمة المدنية يجد أن بالدولة أعداداً هائلة من الجامعيين، وحملة الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراه في الجهاز الحكومي، في المقابل فإن البلاد غارقة في المشاريع التنموية المعطلة، والإجراءات الإدارية والمالية والقانونية الخاطئة، والقرارات العشوائية غير المدروسة، وذلك مؤشر واضح على زيف كثير من هذه الشهادات، ولكن ذلك لم يلفت انتباه أيٍّ من السلطتين، أو قد يكون لفت الانتباه ولأسباب سياسية غُضَّ النظر عنه.صحيح أن الشفافية التي مارستها الأجهزة الحكومية، كلٌّ منها، في بيان إجراءاتها المتخذة تجاه الشهادات المزورة مطلوبة، ولكن الشفافية التي تفتقد لإجراء يعالج الجذور لا قيمة لها، فما هو الإجراء لمعالجة ضعف الرقابة في وزارة التعليم العالي ومكاتبها الثقافية بالخارج على الجامعات واعتماد الشهادات؟ ومن جانب آخر، فإن أكثر من وزير سابق أعلن اكتشاف شهادات مزورة ووهمية بلغ ما أُمكِن إحصاؤه من تصريحاتهم الألف، في المقابل لم يحاسب أي قيادي أو مسؤول في الوزارة، فهل يمكن للجهاز الذي تسبب في الكارثة أن يعالجها؟هناك مسؤولية تشريعية تتطلب الإسراع في سن قوانين تتشدد في مواجهة ظاهرة التزوير بشكل عام، ولا تقتصر على الشهادات، أما الجانب الحكومي فإن واجبه غربلة اللوائح والنظم في الاعتمادات الأكاديمية، وآلية معادلة الشهادات، ووضع حلول دائمة وليست مؤقتة، إضافة إلى اعتماد قواعد حقيقية في قبول المرشحين للوظائف، أو الحصول على ترقيات منعاً لأي تلاعب.مواجهة ومكافحة الشهادات المزورة والوهمية مسؤولية جهاز تنفيدي وتشريعي كامل لا «التعليم العالي» فقط، فإن لم تتكاتف تلك الجهات مجتمعة فإن كل إصلاح سيكون ناقصاً، وسيخلق ثغرة جديدة تعبر من خلالها المزيد من الشهادات الوهمية والمزورة إلى الدولة وسوق العمل.