قضية الشهادات المزورة وطريقة التعاطي معها رسمياً وشعبياً تذكرنا بقصة "الكف الأحمر" أيام الستينيات أو السبعينيات من القرن الماضي، ولعل جيل تلك الفترة أقدر على تصور ما نقصده بدقة، ولكن لا بأس بتقريب الفكرة للشباب بطريقة مختصرة ومقارنة سريعة.

"الكف الأحمر" قصة خيالية مرعبة جداً خاصة للأطفال وطلبة المدارس، وتدور أحداثها حول كف يد إنسان حمراء اللون كأنه ملطخ بالدم، يظهر في مراحيض المدارس ليثير الرعب القاتل في نفوس التلاميذ، وبقدرة قادر وعلى الرغم من عدم وجود أدوات التواصل الاجتماعي أو الفوركاست فإن القصة انتشرت بشكل جنوني في عموم الكويت، وبدأت السوالف والإشاعات تتوالى بكل الأشكال وعلى جميع المستويات، ومن بين الروايات التي باتت الشغل الشاغل لعموم الناس أن أحد الفراشين رأى الكف الأحمر في مرحاض مدرسة بالفحيحيل وضربه بالمكنسة وقضى عليه، لكن في الوقت نفسه اكتشفت مجموعة من بنات مدرسة هند بالسالمية هذا الكف في صالة الألعاب، في حين شاهده الطالب الأول في مدرسة بحولي بين أرفف المكتبة وهو يذاكر فيها، وتحول الكف الأحمر إلى متلازمة في كل المدارس فرآه ناظر المدرسة ومعلم الدين والمفتش ووكيل الوزارة وكلهم كانوا يعطون تفاصيله الدقيقة، إلى أن وصل الكف اللعين إلى مراحيض البيوت وعلى "راس العاير" في الفرجان وفي حمامات المساجد وحتى الوزارات والبقالات ومحلات بيع الملابس، واستمرت القصة عدة شهور دون أن يظهر هذا الكف أو تسجل ضده أي قضية، علماً أنه لم يؤذ أحداً على الإطلاق.

Ad

قصة الشهادات المضروبة أو الوهمية أو المزورة تحمل بصمات الكف الأحمر نفسها، فكل مواطن صار يعرف أحد المزورين، وكل مغرد اكتشف دكتورا وهميا، وفي كل ديوانية اكتشفوا مجموعة من أصحاب الشهادات المضروبة، وكل يوم واحد يصيد دكتورا مزورا في الكليات الجامعية أو في المناصب القيادية أو في ميدان الرياضة والوسط الفني، أو من الشيوخ ورجال الدين، وكذلك من الرجال والنساء ومن الوزراء والنواب، والكل صار يسرد قصصا تفصيلية عن هذا المزور وتاريخه وجامعته وشهادته المضروبة، لكن الجهة الوحيدة التي لم تصلها الأخبار هي الحكومة طبعاً، ومثل الكف الأحمر لم نجد قضية في المحاكم أو النيابة رغم كثرة الأخبار عن ذلك، وستنتهي القصة مثلما انتهى الكف الأحمر لتسجل في تاريخ الكويت "سنة الشهادات المزورة"، وتضاف إلى سلسلة "حزايات" خالتي قماشة، مثل الناقلات ثم الاستثمارات الخارجية وبعدها المناخ ثم الخس والطماط في الجيش، ثم القسائم الصناعية، ثم الألعاب النارية، ثم الإيداعات المليونية والتحويلات الخارجية، ثم الحيازات الزراعية ثم الشركات الوهمية وشاليهات الخيران وانتهاءً بمطعم الفلافل.

الفرق الوحيد أن جميع هذه القصص حقيقية مقارنة بالكف الأحمر، ولكن التعامل معها سينتهي إلى ما انتهت إليه قصة الكف الأحمر، ومع التقدير للكثير من السيناريوهات والتحليلات الجادة التي تم فيها تناول الشهادات المزورة وارتباطها بالفساد، إلا أن ثمة تحليلا لم يتم بيانه، وهو السكوت عن انتقاد وفضح القياديين والمتنفذين الكبار في البلد بحجة أن الديرة خاربة برمتها، وليأكل بعض الناس بعضا، وينسوا الحكومة ولو لبعض الوقت، فالكل عايش الدور بكل حماس!