نعم... يجب أن نناضل في سبيل الجبل الأسود
أثار ترامب مجدداً أسئلة حول التزام الولايات المتحدة بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، هذه المرة في مقابلة مع تاكر كارلسون من "فوكس نيوز". طرح كارلسون نسخة مختلفة من السؤال النموذجي عن التزامات الولايات المتحدة العسكرية في الخارج: لمَ نُرسل أولادنا للقتال في أراضٍ أجنبية غريبة؟تفرض عضوية الناتو على الدول الأعضاء الدفاع عن أي عضو آخر يتعرض لاعتداء. إذاً لنفترض أن دولة الجبل الأسود، التي انضمت السنة الماضية، واجهت اعتداء، فلمَ يجب أن يذهب ابني إلى الجبل الأسود للدفاع عنها والتصدي للاعتداء؟جاء رد ترامب مقلقاً ومنوّراً، مقلقاً لأنه لم يدعُ الناتو إلى تنظيم حملة دفاع ومنوّراً لأنه برهن أن الرئيس الأميركي لا يفهم حتى طبيعة هذا التحالف:
أولاً، لنكن واضحين. لا تسير التحالفات بهذه الطريقة، يجب أن يفهم الرئيس الركائز الأساسية في علاقة الولايات المتحدة الدفاعية الأكثر أهمية، وهذه المهمة ليست صعبة، فلا تذكر المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي أن الاعتداء الذي تشنه إحدى الدول الأعضاء هو اعتداء تشنه كل الدول الأعضاء. هذه معاهدة دفاعية، فلا تستطيع دولة الجبل الأسود "المعتدية" جر الولايات المتحدة إلى الحرب. ولّدت الخسائر المهولة التي خلفتها الحرب العالمية الأولى حركات سلام عمت العالم، فوقعت القوى الحليفة ميثاق كيلوغ-برييان، الذي كان الهدف الرئيس منه "تجريم الحرب"، ثم أبقت العزلة الأميركية الولايات المتحدة بعيدة عن المراحل الأولى في الحرب العالمية الثانية، لكننا أُرغمنا على دخولها، متكبدين خسائر فادحة جعلت ما عانيناه في الحرب العالمية الأولى يبدو ضئيلاً.بالنسبة إلى مَن يتتبعون مجريات الأحداث نكون قد شهدنا ثلاثة صراعات في القارة، وخسارة عشرات الملايين حياتهم، وثلاث حروب أميركية، وبحلول نهاية الحرب العالمية الثانية أدركنا أن من الغباء الانسحاب، فلولا الناتو، لخضنا على الأرجح الحرب العالمية الثالثة، ولولا الناتو، لواجه العالم على الأرجح محرقة نووية. إذاً، ما زال الناتو يؤدي دوراً بالغ الأهمية في الحؤول دون البروز مجددا للقوى السياسية العظمى التي قادت سابقاً إلى الصراعات في أوروبا.أما مَن يدّعون أن التشابكات العسكرية الأميركية اليوم تشبه إلى حد ما التحالفات العسكرية التي ساهمت في إشعال الحرب العالمية الأولى، فمخطئون في فهم الوقائع. قبيل الحرب العالمية الأولى، لم نشهد أي هيمنة عسكرية، بل ساد توازن قوى دقيق، فلم يكن هنالك قوة مهيمنة واضحة بل ما يكفي من الثقة العسكرية في كل الأطراف، مما ضلل المفكرين الوطنيين وجعلهم يعتقدون خطأ أنهم يملكون القدر على تحقيق نصر عسكري حاسم. إذا ظل الناتو قوياً، يكون بوتين مختلاً عقلياً إن ظن أنه يستطيع الفوز بصراع ضد هذا الائتلاف الغربي، ولا شك أن بوتين، مهما كانت صفاته السيئة الكثيرة الأخرى، ليس مختلاً عقلياً. بالإضافة إلى ذلك الناتو حلف دفاعي، لذلك لا تزعزع هيمنته العسكرية الاستقرار بطبيعتها، فيدرك بوتين المنطقي أن الفرق البولندية لن تسير شرقاً مدعومةً بالكامل من القوة العسكرية الأميركية. يحتاج الحلف القائم اليوم إلى الترسيخ والتقوية، ولا يمكننا تحقيق ذلك إذا تنازلنا عن مقدار ضئيل حتى من التزاماتنا الدفاعية القائمة، فإذا تصدع هذا الائتلاف، تعود أوروبا عندئذٍ خطوة عملاقة إلى الوراء راجعةً إلى سياسات القوى العظمى التي سادت في الماضي والتي أرغمت الأميركيين على خوض حروب أوروبية عنيفة على نحو لا يتصوره عقل، أما إذا صمد هذا الحلف، عم السلام.إذاً، تاكر، الجواب عن سؤالك بسيط: تتعهد الولايات المتحدة بالقتال في سبيل الجبل الأسود وتستعد للقتال من أجل الجبل الأسود كي لا تُضطر إلى القتال من أجل هذه الدولة. أما إذا تراجعنا قليلاً عن التزامنا هذا، فنعرض أبناءنا لخطر أكبر.* «ناشيونال ريفيو»