ما بعد القرار الإسرائيلي!
عندما ينتهي الرد العربي على قرار إسرائيل الأخير، باعتبار الدين اليهودي "قومية" الإسرائيليين اليهود، فقط ببعض بيانات وتصريحات الشجب والاستنكار "وكفى الله المؤمنين القتال" فإن هذا يعزز ادعاء وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي دايان بأن "العرب أمة لا تقرأ وإن هي قرأت فإنها لا تفهم وإن هي فهمت فإنها لا تفعل"، وبالطبع فهذا غير صحيح على الإطلاق، فقد جاء في كتاب الله الكريم "كنتم خير أمة أخرجت للناس"، فالمشكلة ليست في هذه الأمة العظيمة حقاً... وإنما في بعض "أولياء الأمور" الذين أنجبتهم المئة عام الأخيرة! كل العالم، باستثناء الاستثناءات المعروفة، نظر إلى قرار الكنيست الإسرائيلي الأخير باعتبار الدين اليهودي "قومية" الدولة الإسرائيلية على أنه قرار عنصري، وأنه عملياً، حول إسرائيل إلى دولة "الأبارتهايد" الجنوب إفريقية التي تم إسقاطها أخلاقياً قبل أن تسقط سياسياً، والتي كانت ولا تزال تعتبر مثالاً صارخاً لــ"أحقر" أشكال النازية والعنصرية.كان المفترض أن يلتقط العرب هذه الحلقة في سلسلة الصراع العربي- الإسرائيلي وأن يتوجهوا إلى العالم كله... وإلى الأوروبيين بشكل خاص كدول وشعوب، وعلى أساس أنهم كانوا قد اكتووا بجمر ألمانيا النازية في تلك المرحلة الهتلرية البغيضة ويطالبونهم بموقف فعلي وجادّ تجاه هذه الخطوة التي أقدمت عليها إسرائيل، والتي استهدفت الفلسطينيين كلهم، وليس فقط من يوصفون بأنهم "عرب إسرائيل"، لا بل إنها استهدفت القيم الإنسانية كلها في الغرب وفي الشرق، وفي الكرة الأرضية بأسرها.
المفترض ألا تنتهي "ثورة العرب"! رداً على تحول إسرائيل إلى دولة عنصرية... دولة "أبارتهايد" جديدة، ونحن في القرن الحادي والعشرين، قبل أن تبدأ، وأن تكون هناك متابعة جدية وجادة إنْ من قبل الدول وإن من قبل الأحزاب والجماعات والمجموعات المدنية... وأيضاً وقبل هؤلاء جميعاً من قبل الجامعة العربية، فالظروف على صعيد العالم كله باتت مهيأة لرفض هذه الإسرائيل "العنصرية" التي بخطوتها الأخيرة قد أنعشت الذاكرة الإنسانية بأنه كانت هناك ألمانيا النازية وجنوب إفريقيا "الأبرتهايدية" وأن قرار الكنيست الإسرائيلي قد أوجد نسخة جديدة من هاتين التجربتين المرتين المرفوضتين! الآن بإمكان حتى الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل أن تقول للإسرائيليين أولاً ولشعوب ودول العالم كله... وللأمم المتحدة وللهيئات الدولية بأسرها إننا عندما أبرمنا الاتفاقات التي أبرمناها مع الإسرائيليين فإننا أبرمناها مع شعب من المفترض أنه يرفض العنصرية والنازية، ومع دولة تعتبر عرب الـ"48" جزءاً منها، وليست هذه الدولة التي بالقرار الأخير قد تحولت عملياً وفعلياً إلى دولة تمييز عنصري وحولت من كانوا يعتبرون قبل هذا القرار جزءاً من شعبها إلى أقلية أصبح وضعها كوضع السود في دولة الـ"أبرتهايد" الجنوب إفريقية.وحقيقة، فإنه باستثناء دونالد ترمب "ومجموعته" لا يمكن أن يوجد في هذا العالم كله من يلوم العرب إنْ هُم بعد هذه الخطوة العنصرية حقاًّ وفعلاً أقفلوا أبوابهم المفتوحة على إسرائيل، فحسابات ما بعد هذا القرار الذي اتخذه الكنيست الإسرائيلي تختلف عن حسابات ما قبله، حيث كان هناك سابقاً أمل في سلام مع دولة تريد السلام، ومقابل الاعتراف بها تعترف بالشعب الفلسطيني وبأن له الحق بدولة مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وأيضاً تعترف بأن ما تحتله من الجولان هو أراضٍ سورية يجب أن تعود لأهلها بعد إلغاء قرار "الضم" الذي لابد من إلغائه إن بالتفاهم وإن بالقوة العسكرية.