الشاعرة ريما محفوض: نحن الشعراء نبكي سورية بالكلمات
• الأدب يوثق التاريخ وعليه أن يقارب الواقع بلغته ومضمونه
ترسم بكلماتها الحالة الإنسانية بكل ما تحمل من تناقضات، تسكنها مدينتها السلمية ، مدينة محمد الماغوط وغيره من كبار الشعراء والمفكرين، لذا تعبر ريما فاضل محفوض بصدق وشفافية في قصائدها عن كل ما يعتمل في نفسها من تعلق بأرضها التي تحملها معها في حلّها وفي ترحالها، وحزن وقلق على إنسانية باتت لقمة سائغة لابشع عمليات القتل، لكنها تترك فسحة لسلام لا بد آتٍ يعيد إلى سورية الأمان والطمأنينة.
في ديوانها الصادر حديثاً «ظلان يشبهان وجهي»، تتلو ريما فاضل محفوض فعل إيمان ببلدها مؤكدة أن الحرب مهما طالت، لا تقوى على النيل من عزيمتها ولن تقودها إلى التخلي عن أرضها التي تعشقها، وتتغنى بها في قصائدها...
في ديوانها الصادر حديثاً «ظلان يشبهان وجهي»، تتلو ريما فاضل محفوض فعل إيمان ببلدها مؤكدة أن الحرب مهما طالت، لا تقوى على النيل من عزيمتها ولن تقودها إلى التخلي عن أرضها التي تعشقها، وتتغنى بها في قصائدها...
ديوانك الجديد «ظلان يشبهان وجهي»، هل الظلان هما ذاتك الشاعرة والآخر الذي تتوجهين إليه أم يرمزان إلى حضور ما زال في الخيال؟العنوان هو جملة من قصيدة كتبتها لأخي :
ظلان يشبهان وجهيوفي مرآتيأشبهك وحدك من المعروف أن لكل إنسان ظلاً، أما أنا فقد اخترت أخي ظلاً لي والظل الثاني هو الشعر الذي يعكس ملامحنا حين يصدق الحبر وتحلق الروح ..تتنوع قصائد الديوان وتتوزع على مواضيع مختلفة، هل أردت من خلاله إعطاء نظرة شمولية عما يقلقك؟ يتألف الديوان من 40 قصيدة وأربع مجموعات شعرية مكثفة هي عبارة عن ومضات يغلب فيها طابع الحب وحالات أعيشها في داخلي أعبر عنها بالكلمات. أردت من خلال ديواني هذا إعطاء صورة مصغرة عن ذاتي، فأنا من مدينة محمد الماغوط وعظماء، وعن قاسيون وعن سورية وعن أشخاص أحبهم، واهديت كل ذلك إلى طفل لم أنجبه بعد.لماذا تعتمدين القصيدة النثرية، وهل ترمين من خلالها إلى التفلت من قيود الصناعة الشعرية؟قصيدة النثر تمنحني حرية التحليق بإحساسي عالياً حتى يلامس آفاق الروح، وينسكب على الورق حروفاً صادقة لا تقيدها القوافي التي ربما غيرت في مكان ما من فكرتي التي أريد .. قصيدة النثر تترك فضاء أكثر اتساعاً للقارئ.. أحسّ بأنها تلامس وجدانه بشكل بسيط بعيداً عن العقد .. وقد تتحدث عنه وعن واقعه وما يمرّ به من حالات تتأرجح بين المتناقضات ..
الطبيعة والحياة
تكتبين قصائدك بلغة العصفور والنهر والزهرة، فهل للبيئة التي ترعرعت فيها الأثر في اختيارك الطبيعة أبجدية تعبير لك؟الطبيعة في وقت ما تشكل المناخ المناسب للإبداع، فهي ملهمة من الطراز الثقيل .. من منا يقف أمام البحر ولا يتدافع الموج في قلبه! من يسمع زقزقة العصافير ولا يرفرف قلبه معها كعصفور صغير! من يمشي تحت المطر ولا يشعر بنشوة هطوله من السماء ليغسل هموم الحياة! نعم أستقي من الوردة لوناً وعطراً لأرسم لوحة شهية الحضور.. أضع قصيدتي على ضفتي نهر وأترك الكلمات لانسياب الماء.. لتصبح كلماتي أعشاباً خضراء تزين حواف السمع والتأمل ...للشجرة والبحر حضور في قصائدك، فإلام يرمزان؟الشجرة هي التمسك بالوطن والخير والتفاؤل.. الأشجار في وقت ما قد تكون الأشخاص الذين لا يرحلون من حولك مهما اشتدت الرياح ... البحر هو الامتداد اللامتناهي لما أريد.. هو عمق الروح وغنى هذا العمق.. البحر استمرار فموجه لا يستريح.. البحر طريق المراكب إلى يابسة تنتظر ..تقاربين الحياة والحب والحرب، فهل تستقين هذه المقاربة من تجربتك مع الواقع الذي تعيشينه في سورية؟لا أستطيع الانفصال عن الواقع وما مرت وتمر به سورية حتى الآن والذي ينعكس على أساليبنا بالتعبير .. القصيدة هي دموع واضحة المعالم أكثر من دموعنا نحن البشر .. لأن الشعر لا يجف بعد قليل .. نعم نحن الشعراء في سورية نبكيها بالكلمات وتعتصر قلوبنا ألماً على الورق ..معاناة وقلق
ترفعين لواء الإنسانية المقهورة وتطرحين قضية الطائفية، إلى أي مدى يمكن أن يحمل الشعر قضايا كبرى من دون أن يضيع في تفاصيل قد تبعد عنه صفة الحالة والومضة الشعرية؟الشعر جبل كبير يحمل ويحتمل، وكثيراً ما حمل قضايا الأوطان .. فلسطين، لبنان، العراق، سورية، وغيرها وعبر عن المراحل التي نعيشها.. الأدب يوثق التاريخ وعليه أن يكون نزيهاً وحقيقياً.. يقارب الواقع بلغته ومضمونه.. بوجعه وآماله ..في قصائدك قلق وجودي هل هو نابع من الغربة التي تعيشينها وسط العنف المتزايد؟لأنني إنسانة تتوق إلى السلام والدفاع عن القضايا الإنسانية، هذا القلق لا بد أنه انعكاس بسيط لما أعيشه في داخلي من حزن على وطني .. إلى أي مدى تشكل القصائد هروباً لك إلى عالم تفصلينه على قياس أحلامك؟ليس لمدى بعيد.. فأنا واقعية جداً.. قد أحلم وأبني آمالاً لعالم أكثر نقاء وسلاماً، لكنني أبقى ابنة هذا الزمن بكل ما فيه من معاناة وأزمات.. القصيدة تكون مجرد رسالة أو انتظار لشيء أجمل .. آمل أن يتحقق ..ما دور الزمان والمكان في شعرك؟الزمان والمكان هيكلان أساسيان في شعري .. قد لا يكونان سوياً في القصيدة نفسها، لكن حضور أحدهما على الأقل يهمني جداً .. هما الإحداثيات التي ترتسم في ذهني لتصنع الشعور والكلمة ...تمزجين في قصائدك بين الوطن والحبيب فهل تبحثين من خلالهما عن انتماء تشعرين أنه ضاع تحت دخان الحرب والموت؟لا أستطيع أن أحس بانتماء كامل ومتوازن لحبيب وأنا بلا وطن... لذلك أعتبر بأن هذه الحرب سرقت منا الكثير .. ورغم كل شيء .. وسط أصوات القذائف أتمسك بانتمائي لسورية وهذا ما عبرت عنه مراراً...من هو هذا الآخر الذي تتوجهين إليه؟أتوجه إلى أي إنسان تصله كلماتي ويحس بها فما نكتبه ليس لنا فقط .. الشعر رسالة للحياة. ما دور الرجل في شعرك؟الرجل يكمّل المرأة روحياً واجتماعياً وله دافع في كتاباتي، لا سيما أن لزوجي (دكتور جراحة عامة) أهمية في حياتي، فهو يشجعني ويساندني ويحضر النشاطات التي أنظمها.حضور وأبداع
ما الذي دفعك إلى إصدار هذا الديوان في هذا الوقت بالذات؟ «ظلان يشبهان وجهي» خامس ديوان أصدره وسورية تحت الحرب.. أتمنى أن يكون الديوان المقبل ديوان فرح بالسلام .. والدافع لذلك التأكيد على الوجود السوري على الأراضي السورية رغم الأحداث القاسية فأنا لم أترك مديتني بل كتبت لها شعراً !أما دواويني الربعة فهي: «ريتا»، العنوان هو اسم ابنتي التي لم انجبها بعد، يعبر عن الانتظار والترقب. «جسور متأرجحة» يعبر عن تأرجح النفس الإنسانية بين الحزن والفرح. «حلاوة الملح» أهديته إلى سورية يعبر عن اللجوء والغربة والشهداء. «توحد مع القمر» وجداني عاطفي يغلب عليه الحب.كيف تقيمين الحركة الشعرية في سورية اليوم؟ معروف أن الحزن والألم يحركان الإبداع، من هنا يمكن القول إن مواهب كامنة ظهرت إزاء الحزن في وطننا، نعتبرهم شعراء الأزمنة، آمل ان تتحقق لهم الاستمرارية، واللافت في الحركة الشعرية اليوم طرح قضايا يومية بين ثنايا القصائد. متى بدأت علاقتك بالشعر؟ ترعرعت ونشأت في بيت تسيطر عليه أجواء الشعر والأدب، جدي خضر العلي محفوض صاحب كتاب «تحت راية القاوقجي» (1973)، وهو عبارة عن رواية موثقة بالصور حول فوزي القوقجي، وكان جدي أمين سره، ووالدي روائي، لذا من الطبيعي أن ينمو عشق الكلمة في داخلي. أول قصيدة كتبتها كنت في الرابعة عشرة من عمري وأهديتها إلى والدي، وأنوه في هذا السياق إلى أن شقيقي شاعر أيضاً. رغم أنني تخصصت في الصيدلي، إلا أن الشعر يبقى نافذتي على عالم الكلمة التي أحب، أفيء إليه في كل مرة ينتابني شعور بضرورة التعبير عن واقع معين، لا سيما عن الشهداء، فأنا أتأثر بحالة فقدان الأرواح وأعيشها في كتاباتي. بين لبنان والعراق
كرّم «ملتقى المرأة الثقافي» في لبنان الشاعرة ريما فاضل محفوض مع كوكبة من الشاعرات من دول عربية، حول هذا التكريم توضح: «تأثرت إلى حد كبير بهذه البادرة الرائعة. لبنان الذي طالما كان وطناً للإبداع والثقافة والفنون والمحبة.. شكراً لكل أرزك الذي يسكننا خضرة وتفاؤلاً»..تضيف: «يحدث أن تتخذ شجرة الأرز اسماً أو رمزاً آخر على غرار «ملتقى المرأة الثقافي» لترسم على أعلام أرواحنا أشجاراً بلا حدود» .. كان «منتدى بابل للشعر والأدب» منح ريما فاضل محفوض العضوية الكاملة كأول شاعرة من خارج العراق، حول هذه الخطوة تقول: «أكسبني منتدى بابل فرحة كبيرة حين منحني العضوية كأول شاعرة من خارج العراق، لأني أعتبر نفسي شاعرة عربية قبل أن أكون سورية، وأكن محبة عميقة للشعب العراقي ووطنه. كان انجازا عظيما بالنسبة إلي أن أحقق أعلى نسبة مشاهدات في المنتدى وأن أحافظ عليها حتى الآن»..تضيف: «من الضروري أن تكون ثمة حركة تمازج ثقافي في الوطن العربي، ولا يجب أن نحد الإبداع في منطقة محددة».
أستقي من الوردة لوناً وعطراً لأرسم لوحة شهية الحضور
لا أستطيع أن أحس بانتماء متوازن لحبيب وأنا بلا وطن
لا أستطيع أن أحس بانتماء متوازن لحبيب وأنا بلا وطن