عالم آخر
يحدث في الكويت أننا نستهجن احتفاظ موظفة بجواز سفرها ونستنكر حصولها على إجازة ليوم واحد في أسبوعها الشاق، ويحدث في الكويت أننا نرى أن حصولها على معاش يتجاوز المئة دينار بقليل مقابل ساعات عمل تتجاوز الـ12 ساعة يومياً غالباً ما تملؤها الإهانات والعمل بلا توقف ظلم في حق المواطن المسكين.
نحن نعيش في عالم آخر مختلف تماماً عن بقية دول العالم الأخرى، عالم ريعي تحكمه المادة التي أعمت البصائر والعقول، فأصبحت حجتنا خاوية بلا منطق. ما نعتاده هنا بل نؤمن به ونردده بكل فخر هو مصدر خزي تتداوله الصحف والشبكات الإخبارية العالمية على أنه رعونة غير مسبوقة وتخلف عنصري مقيت قل مثيله، وذلك خصوصاً فيما يتعلق بحقوق الإنسان "الوافد".يحدث في الكويت أننا نستهجن احتفاظ موظفة بجواز سفرها ونستنكر حصولها على إجازة ليوم واحد في أسبوعها الشاق، ويحدث في الكويت أننا نرى أن حصولها على معاش يتجاوز المئة دينار بقليل مقابل ساعات عمل تتجاوز الـ12 ساعة يومياً غالباً ما تملؤها الإهانات والعمل بلا توقف ظلم في حق المواطن المسكين، والذي قد ينفق هذا المبلغ بكل سهولة في جولة واحدة في أحد المحال التجارية!أكتب ولا أعرف من أين أبدأ، فمن تصريحات برلمانية مشبعة بالعنصرية الكريهة تُلفظ بكل أريحية وبلا أي تحفظ وتمس المقيمين على أرض الكويت بكل أطيافهم، إلى "مشاهير" وسائل التواصل الاجتماعي الذين باتوا يعتقدون أنهم مؤهلون للبت في قضايا أعمق من المكياج والتجميل والهوس بالسطحيات. أجّجت هذه التصريحات مشاعر العامة وأصبحنا أضحوكة أمام العالم أجمع!
لا تحرك فينا ساكناً كل تلك الدراسات والإحصاءات المخيفة التي تحتل فيها الكويت المراكز المتدنية في حقوق الإنسان، حالات وفاة وإصابات بليغة عديدة تحت ظروف قاسية كحرارة الصحراء، وحوادث ألغام، وطلقات رصاص، وهجوم من لبؤة في الصحراء! وحالات أخرى مؤسفة تجدونها في www.migrant-rights.org، ناهيك عن الحالات الاعتيادية من ضرب وتشويه وإهانات، تمر كلها علينا مرور الكرام. كذلك يذكر الموقع سياسات الإبعاد وتضييق المعيشة المجحفة التي اعتمدناها "كحل ترقيعي" لموازنة "الخلل في التركيبة السكانية" الذي صنعناه بأيدينا نحن.أيضاً فإن التقرير السنوي لأداء الكويت من منظمة مراقبة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة (https://www.hrw.org) يدق العديد من نواقيس الخطر فيما يخص حقوق الوافدين وحقوق العمالة المنزلية بشكل خاص. نقابل كل ذلك بالإنكار واختلاق الأعذار وعدم تحمل أي مسؤولية لأوضاعنا الحالية، فبتنا نلقي اللوم على الوافد عند ظهور أي مشكلة على الرغم من أننا المسبب الأساسي في أغلب الحالات. الرخاء الاقتصادي نعمة فيجب ألا ندع هذه النعمة تشوه إنسانيتنا.