ماذا يحدث في نيكاراغوا؟
من غير المرجح أن تنتهي أعمال العنف قريباً في نيكاراغوا، خصوصا بعد أن أعلن دانيال أورتيغا في 7 يوليو أنه لن يتنحى عن منصبه قبل انتخابات عام 2021، وخلال هذه الفترة يعتقد كثيرون أنه سيحاول إيصال زوجته موريللو إلى سدة الرئاسة، منشئاً بالتالي سلالة حاكمة تذكّر في الكثير من أوجهها بأسرة سوموزا المستبدة.
عُظّم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا في الماضي لإنهائه حكم عائلة سوموزا المستبدة الذي دام أربعة عقود، ففي عام 1979 أدى دوراً بالغ الأهمية في سيطرة الجبهة الساندينية للتحرير الوطني اليسارية على البلد، ثم أمضى عقداً من الزمن في محاربة القوى المعارضة للثورة التي مولها الأميركيون. جعلت هذه الجبهة التعليم مجانياً، وحسّنت قدرة المواطن على الحصول على الرعاية الصحية، وأممت الأراضي التي كانت عائلة سوموزا تملكها سابقاً، ولكن اليوم نزل مئات الآلاف إلى الشارع ليتظاهروا ضد أورتيغا، وزوجته، وخطط خلافته، ولقي أكثر من 300 شخص حتفهم منذ بدء التظاهرات نحو منتصف شهر أبريل (38 منهم في الثامن من يوليو)، وأُصيب الآلاف، فما أسباب كل هذا؟ألحقت سياسات الجبهة الساندينية الاقتصادية ضرراً كبيراً بالبلد، لذلك أزالهم الشعب من مناصبهم في انتخابات عام 1990 (لكنهم حرصوا على نهب الأصول الوطنية والاستحواذ عليها قبل تنحيهم)، وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي، دخلت هذه الجبهة في اتفاق لتشاطر السلطة مع الرئيس آنذاك، واسترضت الكنيسة الكاثوليكية واعدةً إياها بتجريم الإجهاض العمدي، وتقربت من نخب قطاع الأعمال.
أُعيد انتخاب أورتيغا رئيساً عام 2006 وعمل منذ ذلك الحين على ترسيخ سلطته، فنشر أعوانه في المحاكم، وسيطر على كل أقسام الحكومة ومعظم المحطات الإعلامية، وفكك المعارضة، وألغى مدة انتهاء ولاية الرئيس من الدستور. علاوة على ذلك عيّن زوجته روزاريو موريللو نائب الرئيس، وأوكل إلى أولاده والمقربين منه مهمة إدارة شبكة من الشركات. إذاً خضع شعب نيكاراغوا بعد أن كان الاقتصاد ينمو بأكثر من 4% في السنة (المعدل الأعلى في أميركا الوسطى)، وبعد أن شكّل هذا البلد جزءاً آمناً من منطقة متقلبة، فواصل أورتيغا أيضاً دعم البرامج الاجتماعية بفضل المساعدات السخية التي حصل عليها من فنزويلا.لكن انهيار فنزويلا الاقتصادي، الذي أدى إلى تراجع المساعدات، بدّل الوضع، ففي 18 أبريل أعلنت الحكومة في نيكاراغوا أنها ستخفض رواتب التقاعد وتزيد مساهمات العمال في محاولة لإنقاذ معهد الأمن الاجتماعي، الذي ستنفد أمواله السنة المقبلة، حسبما تشير التوقعات. أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين الذين نزلوا إلى الشوارع، صحيح أن أورتيغا ألغى الإصلاحات المقترحة بعد بضعة أيام، إلا أن التظاهرات كانت قد تحولت إلى هجوم مفتوح على حكومته، ووصفت موريللو المتظاهرين بـ"مجموعات صغيرة سامة"، لكن هذه الحركة تختلف كل الاختلاف عن هذا الوصف، فقد انضم مئات الآلاف إلى المسيرات المناهضة للحكومة (في بلد لا يتجاوز عدد سكانه ستة ملايين نسمة)، مدعومين من الكنيسة الكاثوليكية، وائتلاف الشركات التي دعمت الحكومة سابقاً وآخرين.من غير المرجح أن تنتهي أعمال العنف قريباً، وقد أعلن أورتيغا في 7 يوليو أنه لن يتنحى عن منصبه قبل انتخابات عام 2021، وخلال هذه الفترة يعتقد كثيرون أنه سيحاول إيصال موريللو إلى سدة الرئاسة، منشئاً بالتالي سلالة حاكمة تذكّر في الكثير من أوجهها بأسرة سوموزا، ويشبّه البعض الوضع الراهن بما تشهده فنزويلا، حيث أخفق المتظاهرون الذين لا يملكون قائداً يسيرون وراءه في إحداث أي تغيير، ولكن يجب ألا يعوّل الرئيس كثيراً على نقاط ضعف المعارضة، فقد تمسك سوموزا بالسلطة قدر الإمكان، إلا أنه اغتيل بعد سنة فقط من فراره من نيكاراغوا.