مذبحة السويداء وحقائق تقال!
ربما، لا بل من المؤكد، أنه يستطيع أي إنسان من داخل سورية أن يقول الحقيقة... والحقيقة أن مذبحة السويداء، الأخيرة، فاعلها هو هذا النظام، نظام بشار الأسد نفسه، فإخراج "داعش"، الذي غدا بعض أجنحته "بنادق للإيجار" من دمشق، وموضعتها على مدى مرمى حجر من هذه المدينة، التي تعتبر عاصمة للموحدين الدروز، الذين ظلوا يلعبون أدواراً قومية، إن سابقاً وإن لاحقاً، وحتى الآن، لم يكن عفوياً على الإطلاق، بل كان مقصوداً، ومن أجل أن يحصل كل هذا الذي حصل.كان أهل السويداء، وأهل جبل العرب كلهم، قد اتخذوا منذ بداية الصراع في سورية موقفاً محايداً، هو في حقيقة الأمر أقرب إلى المعارضة وفي مصلحتها، وهذا عزز الأحقاد القديمة والجديدة على هؤلاء الذين لهم مع حافظ الأسد ونظامه ثارات سابقة ولاحقة، كانت قد تعززت بإصدار الرئيس السوري السابق حكماً بإعدام خصمه الشديد العداوة الضابط سليم حاطوم، بعد عودته من لجوء إلى الأردن أقل من عام، بعد نشوب حرب يونيو 1967 بين العرب وإسرائيل.لقد أصر حافظ الأسد على أن يترأس المحكمة العسكرية، التي تشكلت استثنائياً وبسرعة، بعد ساعات من عودة هذا الضابط اللامع، الذي كان يوصف بالتهور وأيضاً بالشجاعة، ولعل ما يؤكد أنه كان هناك تسديد حسابات قديمة أن الحكم بإعدام سليم حاطوم صدر ليس خلال ساعات بل خلال دقائق، مما جعل الهوة بين جبل العرب و"القرداحة"، التي غدت تعتبر عاصمة العلويين، تتعمق كثيراً، ويقيناً أن ما تعرضت له السويداء جاء رداً على اتخاذ أهل هذه المنطقة موقفاً محايداً إزاء هذا الصراع، الذي انفجر في حادثة درعا المعروفة عام 2011، حيث أحس نظام بشار الأسد بأنه أكثر انحيازاً إلى المعارضة السورية.
ولعل ما يؤكد أن ما جرى في السويداء، وجبل العرب، ليس "رمانة إنما قلوب ملآنة"، كما يقال، أن اغتيال الزعيم اللبناني الوطني والقومي أيضاً كمال جنبلاط في مارس 1977 جاء انتقاماً منه، لانحيازه إلى المقاومة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية في مواجهة القوات السورية، التي كانت قد اجتاحت لبنان تحت عنوان "قوات الردع العربية"، والتي بقيت فيه حتى عام 2005، بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بتلك الجريمة المرعبة المعروفة.وحقيقة إن استهداف هذه الطائفة "الدروز الموحدون" وزعاماتها لم يتوقف عند هذه الحدود، إذ إن هناك من اتهم المخابرات السورية باختطاف نائب الرئيس السوري الأسبق، وأحد قادة حزب البعث الكبار شبلي العيسمي، الذي اقترب عمره من التسعين عاماً، في 24 مايو 2011 من أمام منزل ابنته في عالية اللبنانية، بعد وصوله كزائر بخمسة أيام قادماً من الولايات المتحدة، وحيث يقال إنه توفي في سجن المخابرات الجوية السورية بعد 12 يوماً من اختطافه.وهكذا فإن هناك من يعتقد أيضاً أن نقل "داعش" من دمشق إلى المنطقة الصحراوية، المحاذية لجبل العرب ومدينة السويداء، كان مقصوداً، وأن هذه المذبحة، التي ذهب ضحيتها، حسب التقديرات الأولية، أكثر من 220 قتيلاً، كانت مرتبة كردٍّ على موقف هذه المنطقة وأهلها، والذي اتخذ الطابع الحيادي، لكنه في حقيقة الأمر بقي أقرب إلى المعارضة السورية!