بعد نحو 111 عاماً من وجوده في شارع 26 يوليو، غير بعيد عن وسط القاهرة، أغلق محل "هنهايات"، أشهر محال الساعات في مصر وأقدمها، أبوابه لمغادرة مكانه الأثير إلى المجهول، بعدما راح ضحية عملية الهدم التي طالت منطقة مثلث ماسبيرو بمنطقة أبوالعلا الشعبية، فراح ضحيتها المحل الواقع على الطرف الشرقي الجنوبي للمنطقة.

وبدأت أجهزة الدولة المصرية منذ شهرين عملية هدم جميع العقارات الموجودة في منطقة مثلث ماسبيرو العشوائية، والواقعة بين نهر النيل ومنطقة وسط القاهرة، بزعم خطة تطوير المنطقة وإعادة تأهيلها، بينما يرى البعض أن الغرض تقديمها للمستثمرين لإقامة منطقة تجارية تتفاخر بناطحات السحاب والأبراج العالية، وهي الخطة التي أطاحت بعدد من معالم الحي، أبرزها سينما "علي بابا"، وعدد من المباني ذات المعمار الأوروبي، والتي كان إحداها العقار الذي يشغله محل "هنهايات".

Ad

وقال مدير المحل عصام سيد، المعروف أكثر بعصام سلاموني، لـ"الجريدة" والأسى يعتصر ملامح وجهه، "قرار إزالة المبنى صدر، حاولنا نقول لهم إن المحل ده أثري، وعدى عليه أكثر من 100 سنة، ما حدش اهتم، فطلبت من المسؤولين فرصة عشان أفك ديكورات المكان اللي بترجع لأوائل القرن العشرين، وأنقلها لمكان جديد برده ما حدش رد، وقالوا إن هدم المبنى هيبدأ الأسبوع اللي جاي".

محل الساعات، الذي يضم تشكيلة فريدة من الساعات، يروي قصة مصر في نحو قرن كامل، عاكسا التطورات التي شهدتها البلاد في القرن العشرين، بداية من التنوع وقبول الآخر، نهاية بالتقوقع والانغلاق وغياب البعد الجمالي في قرارات المسؤولين، إذ أسس المحل اليهودي المصري سلامون هنهايات، واستخدم فيه مساعدين (مسيحي ومسلم)، وسرعان ما تحول المحل إلى الأهم في مجاله، بعدما تردد عليه الملك فؤاد وابنه فاروق ورؤساء حزب الوفد سعد زغلول ومصطفى النحاس وقادة جيش الاحتلال البريطاني، ونجوم الفن والأدب، وفي مقدمتهم أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب.

لكن بعد ثورة 1952، وفي عصر جمال عبدالناصر، تم التضييق على اليهود المصريين، في إطار الحرب مع إسرائيل، ما دفع هنهايات إلى مغادرة مصر نهائيا، وترك المحل لمساعده المسلم أحمد سيد، الذي ورث المهنة لابنه، ومن ثم حفيده عصام سلاموني المدير الحالي للمحل، والذي يرى أن "هنهايات" يؤرخ لتاريخ مصر من خلال الساعات، إذ يمتلك منبه الملك فاروق وساعة المعتمد البريطاني الخشبية. وأضاف سلاموني: "رفضت أي تغيير في ديكور المكان، للاحتفاظ بأصالته وتاريخه العريق، وما زلت أحلم بإنشاء متحف للساعات تكون نواته هنهايات، لكن للأسف قرار الهدم نسف هذا الحلم، ولا أعرف أين سأذهب الفترة المقبلة".