التوجه الإيراني في مضيق هرمز

نشر في 28-07-2018
آخر تحديث 28-07-2018 | 00:02
إحدى المناورات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز
إحدى المناورات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز
إذا كانت سياسة التعطيل الإيراني تصاعدت حدتها في الآونة الأخيرة لتتوافق مع خطاب القيادة الحالية، فإنّ احتمالات تعطيل الملاحة في المضيق واردة في حال ما لم يتم إغلاقه بالكامل، وحتى التعطيل الجزئي للملاحة في المضيق قد يحبط الجهود السعودية الرامية إلى زيادة إمدادات النفط الدولية.
تستمر الولايات المتحدة بثبات في تشديد الخناق على إيران، مما انعكس حدةً على الخطاب الإيراني الذي يهدّد بإغلاق مضيق هرمز واللجوء إلى الخيار العسكري للرد على الأعمال الأميركية، ففيما تبدو القدرات البحرية لإيران ليست مجهزة بشكل جيد لإغلاق المضيق بشكل كامل، فإن هذه التهديدات تعكس تصعيدا أقل حدّة، لكنه يمثل خطرا على المضيق.

يمثل مضيق هرمز أهمية كبرى للتجارة العالمية، حيث يمرّ عبره نحو 40 في المئة من الإنتاج العالمي من النفط، كما يتم تصدير ما يقارب الـ17 مليون برميل من النفط عبر المضيق كل يوم، وبالتالي فإن التهديدات التي قد يتعرّض لها المضيق، سواء كانت واقعية أم لا، قد تؤثر بشكل كبير في حركة الأسواق نظرا إلى أن جميع مستوردي النفط أو الغاز الطبيعي في العالم- بما في ذلك الولايات المتحدة- يعتمدون على المرور الآمن للشحن عبر المضيق.

وفي حين أن المخاوف بشأن المضيق كانت موجودة منذ عقود، فقد انطلقت الشرارة الأولى لهذه الأزمة بعد الاتصال الهاتفي الأخير بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والملك سلمان بن عبدالعزيز، والذي طالب خلاله ترامب السعودية بزيادة إنتاج النفط بهدف تغطية احتياجات الدول الأوروبية وغيرها التي تعتمد على الصادرات النفطية الإيرانية، وقد قوبل هذا الطلب بترحيب سعودي واسع، إذ قامت المملكة منذ بداية شهر يوليو الحالي، بزيادة نسبة صادراتها من النفط الخام بنحو 330 ألف برميل يومياً، بحيث تجاوزت نسبة الصادرات النفطية السعودية 10 ملايين برميل يومياً، وهو ما يفوق الحصص المتفق عليها في إطار سياسات الدول المصدرة للنفط «أوبك».

يأتي التضييق السعودي الاقتصادي على إيران والمتمثل بزيادة إنتاج النفط، متزامنا مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها إيران منذ تجدد العقوبات الاقتصادية عليها، والتي أدت دوراً كبيراً في تواصل الاحتجاجات الشعبية، ضد السياسات الاقتصادية للحكومة الإيرانية.

ورداً على ذلك، أشار الرئيس الإيراني حسن روحاني أثناء زيارته لسويسرا إلى أن بلاده ستتخذ العديد من الإجراءات السيادية لمنع الدول المجاورة لإيران من تصدير نفطها عبر مضيق هرمز، كما صدرت العديد من البيانات المشابهة من قبل قائد الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري، والتي قال فيها بأن «مضيق هرمز إما أن يكون للجميع أو لا لأحد».

عدم جدوى الإغلاق

ومن غير المرجح أن تتمكن إيران من فرض سيطرتها الكاملة على مضيق هرمز، خصوصا أنها قامت في وقت سابق بنقل أغلب سفنها الحربية الكبيرة إلى مناطق بحر قزوين والمحيط الهندي، ومع ذلك يتألف القوام البحري لإيران في المضيق من شبكة من السفن السطحية التقليدية والغواصات الصغيرة، ومعظم سفنها السطحية قديمة ويعود تاريخها إلى حقبة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. وعلى الرغم من أن البحرية الإيرانية تعتمد بشكل كبير على شن عمليات أشبه بعمليات القرصنة البحرية، فإننا لسنا أمام قوة بحرية نظامية تتبع التقاليد الحربية المتعارف عليها.

إصافة إلى ذلك يمثل الوجود العسكري الكثيف للولايات المتحدة في منطقة الخليج تحديا لمحاولات إيران تهديد الملاحة في مضيق هرمز، حيث قامت الولايات المتحدة منذ خريف 2011 بتعزيز وجودها العسكري في الخليج وذلك بالتنسيق مع كل من المملكة المتحدة وفرنسا، وذلك للتأكد من أن حلفاءها في الخليج يمكنهم نقل النفط بحرية عبر المضيق.

ومن هنا يمكن القول إنه حتى لو نجحت إيران في إغلاق المضيق لفترة وجيزة، فإنها لن تستطيع الصمود في مواجهة أي هجوم مباشر من البحرية الأميركية، وهو ما أشار إليه عضو مجلس الشورى الإيراني حشمت الله فلاحت بشه، والذي قال إن إيران لا يمكن لها أن تغلق مضيق هرمز، وإن تصريحات روحاني الأخيرة هي للاستهلاك الإعلامي لا أكثر. وبالنظر إلى الرسائل المتضاربة من قبل روحاني والحرس الثوري الإيراني، فإن فعالية هذا النوع من التهديد تثير تساؤلات حول قدرة الجيش الإيراني على تصعيد الضغوط على الخليج دون إثارة رد عسكري أميركي، هذا من ناحية.

الاضطرابات العسكرية

ومن ناحية أخرى فإن الاستفزازات البحرية الإيرانية في مضيق هرمز، وإن لم تكن كافية لإغلاق المضيق بالكامل، كان لها تداعيات أمنية عديدة على المصالح الخليجية والدولية، ومع ذلك ما زالت إيران تمتلك العديد من البدائل التي قد تعول عليها في حالة غلق مضيق هرمز، والحديث هنا عن العراق وتركيا وباكستان وقطر، حيث أصبحت تلك الدول طرقا مهمة للتجارة البرية في الآونة الأخيرة، خصوصاً أن هذه الدول غير موقعة على اتفاقية تفعيل العقوبات الدولية ضد إيران.

تستمر إيران في فرض سيطرتها على قطاع الطاقة في العراق عبر العديد من الشركات النفطية، هذا إلى جانب سيطرتها على العديد من الحقول النفطية العراقية على الشريط الحدودي، ففي الآونة الأخيرة، أدت الاحتجاجات الأخيرة في جنوب العراق إلى إحباط المحاولات العراقية للتوقف عن شراء الطاقة الإيرانية. أما تركيا فهي الأخرى لا تقل أهمية عن العراق، إذ أدت دوراً كبيراً في إنقاذ النظام السياسي في إيران من العديد من الأزمات السياسية التي واجهتها منذ بداية عام 2017، أما باكستان فهي الشريان الرئيس الذي يربط حقول نفط إيران بدول شرق وجنوب شرق آسيا.

فقد كان للاستفزازات البحرية التي قامت بها إيران في مضيق هرمز، وخصوصاً تلك التي أتت من جانب القوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، الكثير من التداعيات الأمنية على المصالح الخليجية والدولية، ففي حين تتولى البحرية الإيرانية التابعة للجيش الإيراني المسؤولية في منطقة المحيط الهندي وبحر قزوين، نجد أن النظام الإيراني أعطى مسؤولية تأمين المصالح الإيرانية في منطقة الخليج العربي لسلاح البحرية التابع للحرس الثوري الإيراني، ولعل هذا يأتي استكمالا لاستراتيجية الحرس الثوري البرية في ساحات الصراع الأخرى في الشرق الأوسط، لأنه الأداة الرئيسة في استراتيجية إيران الإقليمية في الجوار الغربي.

وقد استطاع الحرس الثوري الإيراني أن يطبق فرضيات الحرب غير المتماثلة في إطار استراتيجيته البحرية والقائمة على فرضية «اضرب واهرب» التي تجعله قادراً على مهاجمة سفن الشحن أو الإغارة على المنشآت النفطية بسرعة كبيرة ومن دون سابق إنذار.

وقد استطاع الحرس الثوري الإيراني أن يطبق فرضيات الحرب غير المتماثلة في إطار استراتيجيته البحرية والقائمة على فرضية «اضرب واهرب،» التي تجعله قادراً على مهاجمة سفن الشحن أو الإغارة على المنشآت النفطية بسرعة كبيرة ومن دون سابق إنذار.

وهنا لابد من الإشارة إلى أنه في حال اندلعت مواجهة عسكرية مباشرة في مضيق هرمز، فإنّ قدرة إيران على شن هجمات صاروخية بحر-بحر المضادة للسفن، ستوفر فرصة جيدة للقطع البحرية الصغيرة لشن هجمات كثيفة على سفن العدو، خصوصا إذا كانت الجهود مركزة على أهداف فردية في المضيق. كما تعتبر إيران أيضا الدولة الوحيدة في منطقة الخليج العربي التي تمتلك قوة غواصة بحرية ظهرت بعد الحرب العراقية الإيرانية، عندما استلمت ثلاث غواصات هجومية من الدرجة الثانية من روسيا.

فقد سعت إيران إلى محاولة السيطرة على منطقة مضيق هرمز من خلال الدفع بأعداد كبيرة من الزوارق البحرية الصغيرة، والمزودة بصواريخ محمولة على الكتف، وطرادات بحرية وغواصات صغيرة، وصواريخ بالستية مضادة للسفن، إلى جانب تسخير أسراب من الطائرات بدون طيار، مجهزة بقنابل متفجرة، لشنّ هجمات انتحارية على سفن العدو، وكذلك مروحيات بحرية.

إذا كانت سياسة التعطيل الإيراني تصاعدت حدتها في الآونة الأخيرة لتتوافق مع خطاب القيادة الحالية، فإنّ احتمالات تعطيل الملاحة في المضيق واردة في حال ما لم يتم إغلاقه بالكامل، وحتى التعطيل الجزئي للملاحة في المضيق قد يحبط الجهود السعودية الرامية إلى زيادة إمدادات النفط الدولية، إضافة إلى إحباط المحاولات الأميركية لتزويد الدول التي تعتمد حاليا على الإنتاج الإيراني ببدائل أخرى.

وفي ضوء تلك المخاوف، على القوات البحرية الأميركية والأوروبية المتمركزة في المضيق توخي الحذر بشكل خاص من المحاولات الإيرانية الحالية لتعطيل تدفق النفط، حتى لو لم تهدف تلك المحاولات إلى إغلاق المضيق بشكل مباشر.

back to top