مثل سياسة «البعث» الفاشلة!
لم يكن حزب الدعوة الإسلامية الذي تولى الحكم في العراق بدعم مباشر من القوات الأميركية المحتلة عام 2005، يختلف كثيرا عن حزب البعث العربي الاشتراكي في النهج السياسي العنيف الذي كان يمارسه تجاه الطوائف والإثنيات العراقية، وخصوصا ضد الشعب الكردي، وكما خاض البعث العربي حروباً طاحنة انتهت بكوارث ضرب مدينة حلبجة بالقنابل الكيماوية وإخفاء أكثر من مئة ألف إنسان في الصحراء وهم أحياء بحجة وحدة التراب الوطني، كذلك دخل حزب الدعوة وزعيمه رئيس وزراء العراقي «نوري المالكي» في صراع مع الشعب الكردي وفرض حصارا اقتصاديا شديدا عليه بالحجج الواهية نفسها، ولكي يصرف الأنظار عن المادة 140 من الدستور التي تنصفه وتعيد إليه حقوقه المسلوبة! فالمالكي كان عنيدا مع خصومه ولا يهادن في مواقفه مثل سلفه صدام حسين، وهو مثله مولع بإثارة الأزمات وافتعال الصراعات السياسية المريرة، فلا يمر يوم دون أن يثير أزمة مع هذا أو ذاك، حتى لم يبق مكون عراقي أو شخصية سياسية لم يدخل معها في مشكلة ولم يفجر بوجهها أزمة، ومن حبه الكبير لإثارة الأزمات بكل أنواعها، أصبح يتلذذ بها ويهواها، ربما يكون سياسيا بارعا يملك كاريزما معينة لكنه إدارياً أثبت فشله بامتياز، فلم تكن لديه خطة لإدارة البلاد، ولا يملك خبرة كافية لمعرفة المجتمع المتناقض الذي يتعامل معه، يتمسك بالدستور ولا يتعامل به إلا بما يخدم مصلحته ويوافق أهواءه السياسية والمذهبية، فنراه يرفض إقامة الأقاليم والفدراليات مع أنها نص دستوري ثابت، ومن أهم أركانه، ويرفض تطبيق المادة 140 الدستورية التي تضع حلا ناجعا لمشكلة المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، وحتى الاتفاقات والمواثيق التي يبرمها مع شركائه السياسيين الذين ولوه الحكم لا يلتزم بها ويتنصل منها بسرعة! وكثيرا ما يفتعل الأزمات للتهرب من استحقاق قانوني أو دستوري أو التغطية على فشله الإداري والخدمي، فهو بارع في إلهاء الناس بالأزمات، وبوسعه أن يضع البلاد في كف عفريت خلال أيام أو ساعات إذا اراد ذلك كما كان يفعل صدام طوال فترة حكمه، ومثل ما فعل مع إقليم كردستان، عندما أصدر أمرا بتشكيل قيادة قوات عمليات دجلة بعد ولايته الثانية عام 2012 وخلال أيام من اكتمالها وضعها في مواجهة القوات الكردية «البيشمركة» في تصعيد عسكري مخيف، وكادت المنطقة تدخل في صراع عسكري دموي لولا الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة على حكومته. الشيء نفسه ينطبق على القيادي الآخر في حزب الدعوة حيدر العبادي الذي أصبح رئيسا للوزراء عام 2014 بعد الرفض الداخلي والخارجي للمالكي والإطاحة به، وفور اعتلائه السلطة، رفع شعار الإصلاح ومكافحة المفسدين، ودخل في صراع غير مباشر مع المالكي باعتبار أن الفساد نما وترعرع في عهده حتى تحول إلى ظاهرة، لامتصاص غضب الرأي العام العراقي وإظهار نفسه بصورة مغايرة لصورة سلفه وأنه بطل إصلاحي جاء ليقتلع جذور الفساد ورفع المستوى المعيشي للعراقيين وتوفير الخدمات الضرورية لهم، ولكن شيئا من هذا لم يحصل، والذي حصل أن الفساد ترسخ أكثر والمفسدين تغولوا وازدادت مشاكل العراقيين وتحولت حياتهم إلى جحيم، والاحتجاجات العارمة التي اجتاحت جنوب العراق ووسطه أكبر دليل على فشل سياسة حزب الدعوة في إدارة الحكم.
* كاتب عراقي