عادت الخلافات لتعصف مجدداً بالمؤسسات المتشابكة في إيران، بعد أن بدا خلال الأسابيع الأخيرة أن الرئيس حسن روحاني، قام باستدارة سياسية، وعاد إلى «قواعد الأصولية»، تحت وطأة ضغوط تمارسها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفشل حكومته في تطبيق سياسة اقتصادية تخفف التوترات الاجتماعية المتصاعدة.

وهيمنت حالة عدم الثقة على العلاقة بين رأس السلطة التنفيذية و«الحرس الثوري»، الجهاز الأمني الأكثر نفوذاً، والذي يرى يوماً بعد يوم أن التهديدات الأميركية الجدية تحتم أن يأخذ هو بزمام الأمور مباشرة، ويبسط نفوذه على كل القطاعات.

Ad

لكن يبدو أن الأمور هذه المرة تجاوزت هامش الخلافات والصراعات المسموح بها، إذ كشفت مصادر في مكتب الرئيس لـ«الجريدة» عن تحول روحاني إلى رهينة لدى حراسه الشخصيين التابعين لـ«الحرس الثوري».

وأضافت المصادر أن روحاني يحاول التعاون مع الأصوليين والموالين لـ«الحرس»، للنأي بنفسه عن السقوط، وتوحيد الصف الداخلي السياسي في البلاد لمواجهة ضغوط واشنطن، مؤكدة أنه شبه سجين، لا يستطيع التحرك دون إذن حراسه.

وأوضحت أن إلغاء خطاب روحاني، الذي كان من المقرر أن يلقيه عبر التلفزيون الرسمي، الثلاثاء الماضي، لفت اهتمام جميع المراقبين، إذ وزعت وزارة الإرشاد بياناً على الصحافيين ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية عبر الهواتف للإشارة إلى كلمة الرئيس التي وصفتها بـ«المهمة جداً».

وتناول البيان المُوزَّع موضوع كلمة روحاني، وذكر أنها ستتناول «الأوضاع الاقتصادية الداخلية والتلاسن والخلاف مع الولايات المتحدة»، لكن فوجئ الجميع صباح اليوم ذاته المقرر للخطاب ببيان من مكتب رئيس الجمهورية ينفي التخطيط لأي كلمة للرئيس كما هو متداول.

وذكرت المصادر، أن الخلاف دب في مكتب رئيس الجمهورية، بعد أن ألقى ترامب كلمةً دعا فيها إيران إلى الجلوس على طاولة المفاوضات مجدداً، وتقرير روحاني تغيير صيغة ولحن كلمته التي كانت مُجهَّزة سابقاً، لتكون أكثر إيجابية مقابل دعوة الرئيس الأميركي.

وحسب المصادر، فإن محمود واعظي مدير مكتب روحاني، الذي يعتبر مدعوماً من «الحرس الثوري» ومكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، أصدر بيان إلغاء الكلمة، حتى يستطيع التنسيق مع «الحرس» ومكتب المرشد، فيما إذا كانوا موافقين أن يقوم الرئيس بتليين موقفه وخطابه تجاه الولايات المتحدة أم لا.

ونشرت محطة «آمد نيوز» تقريراً عن الموضوع، أكدت فيه أن روحاني فوجئ بإعلان رئيس جهاز أمنه، التابع لـ«الحرس»، أنهم لا يستطيعون تأمينه، خلال إلقائه الكلمة، وطالبوه بإلغائها، مما أثار غضبه ودعاه إلى تغيير جميع مرافقيه من الحرس الثوري، واستبدالهم بمرافقين من وزارة الاستخبارات.

وذكرت المحطة، أن روحاني حصل على معلومات سرية تفيد بأن مساعد رئيس جهاز استخبارات «الحرس الثوري»، اللواء أحمد حق طلب، كان يجهّز لاغتياله، إذا خرج عن طاعة الجهاز الأمني المعروف بتشدده.

وأفادت بأن قادة في «الحرس» اجتمعوا مع المرشد، وأخبروه أنهم مقتنعون بأن روحاني أفلت زمام أمور البلاد اقتصادياً وسياسياً، لتدخل في مشاكل عنيفة، لتحضير «أرضية اضطرارية» للدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة، دون أطراف دولية.

وأضافت أن خلافات عديدة بين القادة العسكريين وروحاني دبّت في آخر اجتماع لهم، في المجلس الأعلى للأمن القومي، خاصة بالنسبة لكلمة الرئيس، التي هدد فيها بإغلاق مضيق هرمز، إذ إن قادة «الحرس» متخوفون من إمكانية قيام الرئيس بخداعهم وخيانتهم ودفعهم إلى مواجهة، ليحضّر الأرضية لمفاوضات بينه وبين الولايات المتحدة، ويصبحون هم «كبش فداء».

وفي ظل هذا التشكك، قاطع الأمين العام للمجلس الأدميرال علي شمخاني الاجتماعات، حتى يتم حل الخلافات، ورفع تقريراً للمرشد، لينظر في معالجتها.

وفي هذا السياق، أكد مصدر في المجلس الأعلى للأمن الإيراني، أن بعض قادة «الحرس» يعتقدون أن روحاني لا يجب أن يمسك بزمام الأمور، عبر خطاباته الرنانة ضد الغرب. وعليه، فإن العبارات الحماسية يجب أن تخرج على لسان رموز «الحرس»، وهو ما ترجمته كلمات قائد فيلق القدس اللواء سليماني الأخيرة، التي قال فيها إنه هو الند لترامب، لا روحاني المتهم من جانب الأصوليين والمتشددين بأنه يغير خطه السياسي كل فينة وأخرى، لركوب الأمواج فقط.