البلد يدور في دوامة من الفساد والمشاكل بوتيرة متصاعدة وصورة سوداوية، ومؤشرات رضى الكويتيين عن أداء السلطتين التنفيذية والتشريعية، التي نتجت عن دستور 1962، متدنية جداً، والثقة بسياسيينا وأصحاب المناصب الرفيعة تكاد تكون معدومة، والوضع بمجمله سلبي رغم الوعود الرنانة والخطط الوردية للمستقبل.هذه حصيلة 55 سنة من دستور المغفور له الشيخ عبدالله السالم ورفاقه المؤسسين من أهل الكويت، عملياً جماعة مناصرة الديمقراطية والمشاركة الشعبية وحكم الشعب لنفسه هزموا جميعاً بالضربة القاضية من المعسكر الآخر من أبناء السلطة ومراكز القوى والنفوذ المالي والاجتماعي، صراحة قلبوا البلد رأساً على عقب على رؤوس من كان يطالب بالديمقراطية، غيروا تركيبة الديرة الاجتماعية والسكانية خلال أقل من 30 سنة، ووزعوا الكويت مناطق نفوذ اجتماعي وقبلي وطائفي، وأشاعوا التطرف والإسلام السياسي الذي قضى على كويت التنوير والتعدد والانفتاح.
وأضحى مجلس الأمة واقعاً مجلس أعيان لتوزيع "البشوت" أو النفوذ والثروة بين القوى الاجتماعية التقليدية والقبائل والطوائف، وأصبح الاستجواب أو المساءلة السياسية أداة للابتزاز والتكسب وتصفية الحسابات، والوزير الذي يفقد الثقة يحصل على وظيفة أفضل ودائمة وربما بسلطات أوسع من منصبه الوزاري السابق!... سرقات ونهب من الاستثمارات الخارجية وحتى التأمينات الاجتماعية لم يدخل أحد من المتهمين الكبار فيها غرفة توقيف لساعة واحدة، وإيداعات لسياسيين بالملايين لم يوجد نص جزائي يعاقب عليها... فأي ديمقراطية تلك؟!طالب الآباء المؤسسون بالديمقراطية للتشاور في سبل حماية الكويت والدفاع عنها، لكن في يوم غزوها عام 1990 لم يكن هناك أحد موجوداً وفقاً لدستور 1962 للتشاور معه، طالبوا أيضاً بالدستور لتوزيع الثروة على الكويتيين، فجنس معسكر الضد "اللاديمقراطي" مئات الآلاف دون سند ليشاركوهم في ثروتهم.البلد يعيش صراعات عبثية، ومجلس الأمة أصبح هايدبارك للتنفيس، وغالباً خشبة مسرح للتمثيل على العامة، وأحياناً حلبة صراعات لزيادة الفرقة بين الشعب وتمزيق نسيجه الاجتماعي، كما حدث في الاستجوابين الأخيرين لوزير النفط بخيت الرشيدي ووزيرة الشؤون الاجتماعية هند الصبيح.فيما الصحافة الكويتية، التي كانت إحدى أهم ثمار دستور 1962، تعيش منعطفاً خطيراً ربما تفقد خلاله القدرة على إبداء الرأي الحر والتحليل السياسي الرزين والخبر الصادق لمصلحة دعم جبهات الصراع المختلفة على السلطة والثروة، وأخبار الفضائح والجرائم و"كتالوج" للسيارات.أشعر بألم شديد وأنا أرى نتائج دستور 1962 بعد أكثر من نصف قرن، وأقيمها برؤيتي المتواضعة، لكن الواقع يبين أننا فشلنا جميعاً كناشطين وإعلاميين وسياسيين ونواب ومواطنين من مناصري الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الدفاع عن مكتسباتنا، وانتصر المعسكر الآخر بقدراته الهائلة المالية وسطوة السلطة، وها هي الكويت تدفع كل يوم نتيجة لذلك معاناة وغضباً واستياء شعبياً واستنزافاً لمقدراتها وثرواتها.
أخر كلام
ديمقراطية مشوهة... ديمقراطية مدمرة!
29-07-2018