حرب ستلد أخرى!
لأن روسيا انتدبت نفسها وصياً على سورية في هيئة احتلال يتحكم في كل شيء وحتى نهايات هذا القرن، كما أُعلن، وكما أكده بشار الأسد، وأكده الروس أنفسهم، فإنها المسؤولة عن كل هذا التمزق والدمار والخراب الذي حل بهذا البلد العربي، والذي من غير الممكن أن تفلح عمليات "الترقيع" الجارية الآن في إعادة الأمور إلى أوضاعها، مع أنها كانت أوضاعاً مأساوية وبائسة على أي حال، في عام 2011، أي قبل نحو سبعة أعوام دامية ومدمرة.لا شيء إطلاقاً بيد هذا النظام، والواضح والمؤكد أن روسيا كدولة محتلة تهيمن على كل شيء في هذه الدول العربية، فهي التي وراء التلاعب بـ"كرت" تنظيم داعش الإرهابي، ووراء مذبحة جبل العرب، وبالطبع وراء لعبة مناطق "عدم التصعيد"، ولعبة عمليات التفريغ "الديموغرافي"، ولعبة تحويل منطقة إدلب إلى مستودع بشري كبير للسنة "أتباع المذهب السني" الذين هددهم بشار الأسد بتصريحاته الأخيرة، والذي لم يهدد بسيفه، وإنما بسيف فلاديمير بوتين الذي إن هو استمر في السير على هذا الطريق الشائك فإنه سيقف في النهاية وذات يوم أمام محكمة التاريخ لا محالة.
وعليه فإن حتى حكاية "شرذمة" المعارضة السورية، وتحويلها إلى أكثر من مئة تنظيم، معظمها يحمل أسماء وعناوين إسلامية، من الواضح والمؤكد، وهذا يثبت الآن بالأدلة الدامغة، هي حكاية روسية، فهذا النظام الذي شارف على الانهيار مبكراً بعد انفجار ثورة عام 2011 ما كان قادراً على كل هذه المناورات والألاعيب السياسية والعسكرية أيضاً، والروس هم لاعبو هذه اللعبة، لا بل كل هذه الألاعيب، إذ لولاهم، وقد أعانهم على هذا رداءة أداء الإدارة الأميركية السابقة في عهد باراك أوباما، وأيضاً رداءة هذه الإدارة التي على رأسها دونالد ترامب، لما وصلت الأمور في هذا البلد إلى ما وصلت إليه.وهنا فلعل ما لا يدركه الذين يقيمون الأفراح والليالي الملاح، وبادروا إلى إطلاق زغاريد الفوز والانتصار، بعدما حققت "اللعبة" الروسية ما حققته في جبهة درعا وحوران الجنوبية ومناطق أخرى، وكل هذا مع أن المفترض أنه معروف أن الجرح الأفغاني، الذي هو أقل التهاباً وأقل نزفاً من الجرح السوري، لا يزال لم يبرأ بعد، وحيث لا تزال التفجيرات متواصلة حتى في كابول نفسها، ولا تزال العمليات العسكرية مستمرة في معظم المناطق الأفغانية.نحن نتمنى أن تهدأ الأوضاع في سورية، وعلى أساس ألا تعود إلى ما كانت عليه عام 2011، لأن عودتها إلى ما كانت عليه إلى ما قبل نحو سبعة أعوام يعني أن هذه الحرب ستلد حروباً كثيرة، وأن هذا الجرح سيزداد التهاباً، فهذا النظام القائم الآن، استناداً إلى الاحتلال الروسي الآثم، وإلى حراس الثورة الإيرانية، والشراذم الطائفية التي أقيمت لها مستوطنات، كالمستوطنات الإسرائيلية في الجولان والضفة الغربية، من غير الممكن أن يفلح الروس في تسويقه مجدداً ومرة أخرى، والشعب السوري، الذي دفع كل هذه الأثمان الغالية، من غير الممكن أن يرفع الأيدي ويستسلم لمن دمر بلده ومدنه وقراه وفتح أبوابه لهذا الاحتلال الذي إن لم يواجه بمقاومة فاعلة وبموقف عربي ودولي جدي فإنه سيستمر حتى نهاية هذا القرن، الذي لا يزال في بدايات أول سنواته!