أثمرت جهود القطاع الخاص، وخاصة جيل الشباب، في إيجاد حل لمشكلة خشبات مسارح الدولة الفقيرة (الشامية، وكيفان، والدسمة، والسالمية) في التقنيات، عبر استثمار صالات العرض مدد طويلة، ومنها ما صنعه الفنان والمخرج محمد الحملي في مسرح دار المهن الطبية بالجابرية.

ولعل ما قدمته فرقة "باك ستيج غروب" أخيراً، من خلال العرض المسرحي الكوميدي "موجب"، بيّن أمراً مهماً للغاية، أعطوا "الخباز خبزه"، فأهل المسرح "أدرى بشعابه"، هذا ما تحقق على أرض الواقع، بإيجاد البديل الذي يغري طموحات جيل الشباب المسرحي.

Ad

ومن المتابعات والرصد، ما نجده حاليا هو نتاج "ملتقى أيام مسرح الشباب" - تغير مسماه إلى مهرجان أيام المسرح للشباب - في دورته الأولى التي أقيمت في أغسطس 2003 برعاية وتنظيم الهيئة العامة للشباب والرياضة، ومن خلال فرقة مسرح الشباب التي تتبع لها، فاحتضن الطاقات الشبابية التي أحيت الأمل بتطوير المسرح في الكويت، وكان من بين هؤلاء الشباب، وعبدالعزيز صفر، وعلي العلي، وحصة النبهان، وإبراهيم الشيخلي، ومحمد الحملي، وكل واحد منهم لديه موهبته التي صقلها بالدراسة الأكاديمية في المعهد العالي للفنون المسرحية.

نأتي إلى العرض الطموح "موجب"، هذه المفردة لها علاقة بطقوس الخرافة الشعبية قديماً المعروفة باسم "الزار"، لاستخراج الجن أو الأرواح الشريرة من جسد الممسوس، من خلال إشعال المزيد من البخور وتقديم الشيلات، أو ما تشبه التواشيح والأدعية والتهليل والتكبير في قوالب من الفنون الموسيقية والإيقاعية الشعبية، وهي الطنبورة والقادري والسامري والخبيتي.

ومن هنا تنطلق المسرحية، مع طقوس الزار، وظهور "أم سرور" رئيسة فرقة الزار، التي قاست من حياتها وعانت كثيراً، ولم تجد طعماً للراحة، وقد خذلها الزمن، لم تجد سنداً أو ولياً، ولا زوجا يحميها، فلجأت إلى إدارة "الزار"، ورعاية أهل المنطقة المنسية، وأقنعت الجميع بأنها هي الوحيدة القادرة على حل الأمور المستعصية، وتخليص سكان هذه المنطقة المهمشين أو المنسيين الذين يبحثون عن قوتهم اليومي.

ومن المعروف في التراث الشعبي الكويتي أن "رئيس فرقة الزار قد يتعاطى بعض أفعال السحر، فيحدث حركات غريبة مع الشخص الممسوس، ويوهم الحاضرين بأن ذلك بفعل الجن، فيضربه ابتغاء منه أنه يضرب الجان الذي يسكنه، ثم يطلب بصفته وسيطا عن الجان عدة طلبات من أهل الشخص الممسوس، تحت ذريعة أنها طلبات الجان للخروج من جسد ابنهم".

ويأتي أمر إزالة المنطقة السكنية المنسية، لأنها غير آمنة، دون الالتفات إنسانيا إلى مصير هؤلاء السكان المهمشين، بلا ضمير ولا رحمة.

فيتم إيهام السلطة المنفذة للقرار بأن أحد رجال الأمن قد تم خطفه واختفى في المنطقة، وذلك بدعم من ضابط المخفر، فتسند مهمة سرية لضابطة في الشرطة، التي تكتشف فيما بعد ما يحدث في الحقيقة، وتتواجه مع "أم سرور"، التي تتساءل: ما ضير أن يجد الإنسان مكاناً ليرتاح، حتى وإن كان "خرابة"؟ الضحكة مرسومة على وجه المهموم، والجائع يصبح شبعاناً، والطفل البريء يلهو يلعب، ويكون الأب مرتاحا بعد أن هد الدهر حيله، لافتة إلى أنها تعيش بلا أبواب ولا سند ولا وسادة ولا وطن.

استخدم المؤلف والمخرج محمد الحملي، تقنية "مسرحية داخل مسرحية"، ومن أهم الأمثلة على هذا النوع في المسرح العالمي، ثلاثية الإيطالي لويجي برانديللو "6 شخصيات تبحث عن مؤلف"، و"الليلة نرتجل"، و"لكل شيخ طريقته"، والفرنسي جان جينيه في مسرحية "الخادمات"، لكسر الإيهام المسرحي وهدم الحائط الرابع.

كما أجاد الحملي في تقديم سينوغرافيا وخدع مسرحية مُحكمة الصنع، باهرة ورائعة، مع مرونة الخشبة، في مشاهد المخفر وفتحة تهوية التكييف، والسرداب، وطيران "سرور" من منزل خاله، وهذا لا يتحقق في مسارح الدولة الأربعة.

أما على صعيد التمثيل، فقد أثبتت الفنانة القديرة هيفاء عادل علو كعبها بعودتها شامخة على خشبة المسرح، بعد غياب عقدين من الزمان، برشاقة ولياقة لافتتين، وبأداء تمثيلي لا يخلو من الإبداع، إنها عودة موفقة لفنانة تتلمذت على يد الرائد الكبير الراحل صقر الرشود.

ولا ننسى التميز الأدائي لجموع الممثلين، الفنانة سماح التي أبدعت في دور "سما"، واللهجة السورية، وكذلك الأمر مع الفنانة المتألقة أحلام حسن في شخصية "الضابطة"، والفنان عبدالله الخضر الذي أجاد تجسيد دور "زوج سما" بتألق وحس كوميدي رائع، وإبراهيم الشيخلي كعادته متميز في دور "السجين الهارب"، وعبدالله الرميان "الخال"، ومحمد الحملي "سرور"، وحسين المهنا "الضابط"، وجمال الشطي "الزوج"، ومفاجأة العرض الفنانة البحرينية مريم حسن.

باختصار "موجب"، عرض ناجح شكلا ومضمونا، ويحترم عقلية الجمهور، بتقنيات احترافية عالية جداً،... شكراً للحملي ولفريق العمل التمثيلي والفني.