يبدو أن السفير العراقي لدينا يجهل مسارات التاريخ ولا يعرف أن تغيير مسميات الأحداث هي صنعة الأساطير لا الوقائع التاريخية، فالأسطورة تتكون من جزءٍ من الحقيقة مبهّرٍ بتوابل أحداث صنعت لزوم الحبكة، ولا تمتُّ للحدث بصلة، وإذا غيرنا عنوان الغزو من "العراقي" إلى "الصدامي" فإننا نجازف بارتكاب أكبر حدث في تاريخ شعبنا لـ"حنطور" الأساطير لـ"يتحنطر" ويضيع تضحيات المئات من الشهداء والأسرى! ودعوني أشرح لكم ما سبق، فلنفرض أننا وافقنا السفير وجعلنا الغزو غزواً صدامياً لا عراقياً، فمع مرور السنين سيترسخ في ذهن أجيالنا أن "الغزو"- وهو جزء الحقيقة هنا الذي سيبقى كما هو- قد حدث، ولكن من قام به؟ الجواب المخيف هنا هو: صدام هو من قام به ولوحده، هذا العنوان الجديد سيتطور مع الزمن إلى أسطورة، وبعد قرون سيحاول القصّاص أو الحكواتية مواءمة حقيقة أن غزواً لبلد كامل تم على يد شخص واحد فقط يُدعى صدام، وهنا تبدأ الأسطورة و"العب يلا" في حوادث التاريخ.
سيقولون إن صدام هذا عملاق طوله 30 متراً وخمسة سنتيمترات، وكان يطلق البرق من عينيه، والرعد من...، وينفث النار من فمه، وأنه هاجم بلداً يقال له الكويت في ليلة ظلماء يفتقد فيها بدر عنترة، فالتهم أبناءها كما التهم السكايلوب الإغريقي ضحاياه، أكل بعضهم وأسر بعضهم ورماهم وراء قضبان معدته، وبعضهم في معتقل البنكرياس سيئ السمعة، وظل يفعل ذلك طوال سبعة أشهر إلى أن تدخّل "الأفينجرز" بقيادة كابتن أميركا وقرروا طرد هذا العملاق لخطره على نظام المارفل العالمي، فوضعوا خطة توكل لمطرقة ثور أمير أزقارد بداية الحرب الجوية، في حين يتكفل هالك أو الكابتن الأخضر بقطع الطريق على العملاق الغازي من الشمال، ويبقى الباقي بيد بقية "الأفينجرز" لمصارعة العملاق وقصفه، كما حدث لعمالقة "الترانسفورمرز" في أساطير هوليوود أو "غرانديزر" للناطقين بلغة الثمانينيات، وفي الدقيقة 58 من الفيلم، عفواً أقصد الأسطورة، تم القضاء على صدام الجبار بفضل جهود بنت الخباز، عفواً مرة أخرى أقصد "الأفينجرز" العظام، وعمّ الفرح والسرور ديار الكويت العامرة، عفواً مرة ثالثة: أي هراء هذا؟!أخيراً بما أن سعادة السفير نصحنا بتغيير عناوين تاريخنا فأقل واجب تجاهه هو نصحه بتغيير مناهجه أيضاً وتسمية الاحتلال البريطاني لأرضه بالاحتلال الجورجي، ولا أقصد هنا جورجيا الدولة بل جورج الخامس ملك بريطانيا وقتها، والاحتلال الأميركي بالغزو البوشي ولد "باربرا" أم السحورة، وأن يذكر أن سبب الانقلاب على الملكية في العراق كان لأن الشعب العراقي "أيس" من وضعه فجاء "كريم" ليبرد كبده، فصار الانقلاب "آيس كريم" يطفئ عطش الشعب للحرية، ولكن "كريم" كان كامل الدسم فجاء انقلابُ زيت الزيتون "البكر" ليعالج شرايين العراق المتخمة بكولسترول الدسم الكريمي، وهكذا دواليك تلعب الأساطير كلما تغيرت العناوين. أخيراً إن كان السفير الناصح لنا يرضى بسيناريو كهذا لتاريخه فنحن لا نرضاها لتاريخنا شاء من شاء وأبى من أبى، وسيبقى مسماه غزواً عراقياً، غزواً عراقياً، غزواً عراقياً، وسنعلّم هذا العنوان ونحكيه لأولادنا وأولاد أولادنا وأولاد أولادهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
مقالات
خارج السرب: الغزو «الغرانديزري»
01-08-2018