هل يستطيع عمران خان إصلاح باكستان حقاً؟
عندما دخل عمران خان، لاعب الكريكت السابق وساحر نساء نوادي لندن الليلية، أول مرة عالم السياسة في باكستان في عامَي 2011 و2012، ركب موجة ما ولّده الربيع العربي لدى الطبقة الوسطى المدنية من آمال عن سياسات أكثر نظافة وحكومة أفضل.يكمن التحدي الذي يواجهه خان في أن التفاؤل الذي رافق بروزه الأول تحوّل لدى باكستانيين كثر إلى قلق، إن لم يكن انتقاداً صريحاً، إذ يعتبره منتقدوه انتهازياً يستعد للإمساك بزمام الحكم لأنه قبل بالدعم سراً من جيش البلد القوي. خلال السنوات القليلة الماضية، استخدم الجيش وحلفاؤه تهم الفساد لتهميش الرابطة الإسلامية الباكستانية، التي يقودها رئيس الوزراء لثلاث مرات نواز شريف، علماً أن شريف سُجن حديثاً بعدما عاد من منفاه الأخير، إلا أن خان ينكر تعاونه مع الجيش ويعلن أنه يقف مستقلاً، ولكن رغم إنكاره، لا شك أن الجيش خطط لخسارة شريف الأخيرة للسلطة وأن خان استفاد من ذلك.من المؤكد أيضاً أن منصب رئيس وزراء باكستان سيظل ثاني أقوى منصب في البلد بعد رئاسة أركان الجيش الذي يشغله راهناً الجنرال قمر جاويد باجوه الذي يتمتع وكبار جنرالاته بسلطة تتخطى الدور الذي خصهم به الدستور، مؤثرين في الإعلام، والسياسة، والقضاء، وقد ازداد نفوذهم ترسخاً خلال السنوات الأخيرة، كما يتضح من خلال عملية القمع التي أمر الجيش بتنفيذها ضد وسائل الإعلام التي تنتقد "المؤسسة الحاكمة"، والناشطين في مجال حقوق الإنسان، وأجزاء أخرى من المجتمع المدني.
ولكن طوال أكثر من عقد، اكتشف الجيش أن من الأفضل حكم باكستان بطريقة غير مباشرة، مركزاً على الأمن القومي والسياسة الخارجية وتاركاً المشاكل الفوضوية المعقدة، مثل الفقر، ونقص الطاقة، والتنمية، لرئيس الوزراء والحكومة، ويشكّل عمران خان الأخير في سلسلة من الشركاء الثانويين الذين يتوقع منهم الجيش أن يركزوا على الاقتصاد وغيره من المشاكل المحلية مع السير قليلا في الشؤون الخارجية.ركّز خطاب خان الأخير على السياسة المحلية خاصة، إلا أنه علّق أيضاً على مسألة أفغانستان، حيث لا تزال الولايات المتحدة تغرق في حرب لا نهاية لها منذ سبع عشرة سنة، وعلى العلاقات مع واشنطن، فدعا أفغانستان "البلد الذي تحمّل المعاناة الأكبر في الحرب على الإرهاب". وفي مرحلة جددت فيها إدارة ترامب الجهود للتوصل من خلال المفاوضات إلى خاتمة للحرب قد تسمح للولايات المتحدة بخفض وجودها العسكري في البلد أو حتى إنهائه بالكامل، عبّر خان عن دعمه لاستراتيجية مماثلة، فأعلن: "يحتاج الشعب الأفغاني إلى السلام، نريد السلام في هذا البلد، فإذا حل السلام في أفغانستان، تنعم باكستان بالسلام".أما موقف خان من حركة طالبان فقد تبدّل على مر السنوات، إلا أن نظرته الحالية تبدو متوافقة مع نظرة الجيش، ألا وهي: إذا تركت فصائل طالبان باكستان وشأنها وسعت إلى الاندماج في السياسة الأفغانية، يتعاطف مع شرعية هذه الحركة أو على الأقل يتقبلها، كذلك وصف خان باكستان كضحية للحرب التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، وندد بالهجمات التي تنفذها الولايات المتحدة بطائرات من دون طيار داخل باكستان ورفض أسس السياسة الأميركية لمحاربة الإرهاب في المنطقة.إذا أصبح خان رئيس الوزراء فسيرث اقتصاداً في حالة أزمة مع ديون متفاقمة واحتياطات نقد أجنبي متقلصة، مما يمهد على الأرجح الدرب أمام جولة مؤلمة أخرى من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وفي المقابل ينمو الاقتصاد، ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنحو 6% هذه السنة، لكن الفساد، والعنف الإرهابي المتواصل، وعقود من الحوكمة السيئة قيّدت البلد بسلسلة لا نهاية لها من المشاكل البنيوية، مثل الأمية، والطائفية، وأزمات الصحة العامة. ولا عجب في أن الجيش لا يرغب في إدارة باكستان مباشرةً اليوم، فمن الأفضل ترك سياسيين مدنيين طموحين أمثال خان يتعاطون مع المشاكل المعقدة، فيما يتولى الجنرالات الاعتناء بأنفسهم في الكواليس، ولكن إذا نجح خان في تبديل باكستان بالطرق التي وعد بها، فستكون هذه معجزة أكبر من كل ما حققه في عالم الكريكت.* «فورين بوليسي»