ترامب وفخ الهجرة

نشر في 01-08-2018
آخر تحديث 01-08-2018 | 00:07
 بروجيكت سنديكيت لا تذكرني رئاسة ترامب بشيء أكثر من الحروب التي شهدتها يوغوسلافيا في التسعينيات، ففي أوج الأحداث العنيفة، قال لي صديق صربي: "أنا لا أحب سلوبودان ميلوسوفيتش، ولا أحب طريقة عمله وعنفه وفقدانه للمهارة وميوله لتعذيب الآخرين، لكنه على الأقل يقوم بشيء ما".

إن الجملة الأخيرة تلخص الصراع بأكمله، فصديقي كان مستعداً لغض النظر عن كل ما يقوم به ميلوسوفيتش من خروقات واعتداءات عنيفة إذا كان ذلك يعني أن صربيا لن تكون ضحية من جديد، وحسب ما قيل في هذه الرواية القومية أجبرت صربيا على قبول أنها جمهورية واحدة ضمن ست دول، رغم أن الصربيين الموزعين في جميع أنحاء يوغوسلافيا، يشكلون نصف سكان يوغوسلافيا تقريبا.

وبالطبع كانت فكرة، أن صربيا ضحية، أمراً يناقض آراء الجمهوريين الآخرين، ففيما يتعلق بهم تكون يوغوسلافيا أبعد من مجرد مخطط سري للحد من قوة صربيا، بل هي مخطط للقضاء على مركزها كأول النظراء، وفي كل الأحوال كانت صربيا تتحكم في الجيش والشرطة السرية والحزب الحاكم.

وبطرق شتى ظهر النموذج نفسه في الولايات المتحدة الأميركية منذ تولي ترامب الرئاسة، فترامب شخص غالبا ما يكون عنيفا، والعديد من مناصريه أدركوا أنهم لا يرغبون أن يقوم أولادهم بتقليده، وبالرغم من ذلك فهو يتحدث عن الأمور التي تحزنهم وتلك التي تقلقهم، وفي عام 2016 وصل إلى ما يكفي من الأصوات لتحقيق الفوز، ويمكن لهذا السيناريو أن يعيد نفسه من جديد في عام 2020.

واستهدف ترامب ومناصريه مواضيع ليست في علم أغلبية الأميركيين، لكنها تجبر المصوتين على اتخاذ قرار واحد، وغالبا ما تسبب مثل هذه "المواضيع المسببة للانقسامات" ردة فعل موازية ومضادة من الحزب المنافس، وبما أن كل جانب يحاول حفر حفرة يهاجم منها الآخر، أصبح الطرفان يتجاهلان التعقيدات والاختلافات الدقيقة في هذه المواضيع.

والهجرة هي الموضوع الرئيس الذي يعتمد عليه ترامب لجذب الأصوات، ففي حين يتحمس الأميركيون لفكرة أن التكلم باللغة الأمهرية عوض اللغة الإنكليزية في سيارات الأجرة في واشنطن العاصمة سيجدي نفعاً، حوّل ترامب موضوع الهجرة إلى استفتاء لدى الأميركيين، وبالتالي أصدر، أثناء جولته الأخيرة في أوروبا، بلاغا تحذيريا يقول فيه إن الهجرة "تغير ثقافات" المجتمعات الغربية.

ومن وجهة نظر مناصري ترامب أنه كرئيس حقق نجاحا فيما يتعلق بالهجرة لأنه "يفعل شيئا"، وفيما يتعلق به شخصياً ليس هناك فرق بين الهجرة الشرعية وغير الشرعية، فقد عقد محادثات غير فعالة بشأن حاجة البلاد إلى اليد العاملة في بعض القطاعات المحلية، وإذا كنت تظن أن ترامب يعترف بفضل المهاجرين في بناء البلد يمكنك التفكير مجدداً، فكل شيء اختصر في مسألة الهوية الأميركية، التي صنفت على أساس العرق.

ومن خلال دعم ترامب موضوع الهجرة أقنع مناصريه أن بلدهم يتعرض لغزو من أشخاص ذوي هويات وتوجهات عرقية مختلفة، مفسراً أن السبب في ذلك راجع إلى نظام الامتيازات العرقي، وبالتالي حشد مناهضي الهجرة في صفوف من يقاسمونهم الهوية نفسها، وعلى الأقل الآن لديه ما يكفي من المناصرين للفوز.

لكن تلك المواضيع تخلق ردة فعل لدى كلا الطرفين، فالشعار الجديد لمعارضي ترامب هو "اقضوا على الوكالة الأميركية لتنفيذ القوانين المتعلقة بالجمارك والهجرة"، وهي وكالة فدرالية مكلفة بتنفيذ سياسات الإدارة الأميركية المتعلقة بالهجرة، ومن بين ما تشمله الهجرة أصبحت عبارة "غير شرعي" تعبيراً جارحاً واحتقاراياً لكل شخص على قيد الحياة، وبالطبع فالمصطلح لا يشير إلى الشخص ذاته، بل إلى وضعه المتعلق بالهجرة في حدود اختصاص معين، أي في الولايات المتحدة الأميركية.

وعلى غرار ما قام به معارضو ترامب نددت القوات المساندة للهجرة أولئك الذين يدعون إلى مراقبة الحدود، رغم أنهم لا يطالبون إلا بهجرة قانونية، وفي حين يناقش البعض القوانين التي قد تضع حدا لنزوح المهاجرين غير الشرعيين إلى البلاد، يبدو أن مؤيدي الهجرة الراديكاليين يشكون إن كان ولا بد أن تكون هناك أي قوانين تحد من تنقلات الأشخاص.

ولا داعي للقول إن هذا يصب في مصلحة ترامب، فاستطلاعات الرأي تشير إلى أن أغلبية الأميركيين يريدون مراقبة الحدود، ومن المؤكد أن سياسة تفريق أطفال المهاجرين عن ذويهم التي تبنتها إدارة ترامب ذهبت إلى أبعد مما سيتقبله معظم الأميركيين، ولكن إذا ظن المصوتون أن الحل البديل هو عدم مراقبة الحدود، أو موجة من مطالب اللجوء المشكوك فيها، فسيقفون في صف ترامب في النهاية.

إن المحادثات بشأن الهجرة دليل على أن مراكز السياسة في أميركا تختفي بسرعة، إلا أنه يجب ألا تتصدى لراديكالية ترامب بالمزيد من الراديكالية، لقد اختار ترامب ومناصروه مواضيعهم بعناية، وإن أحسن طريقة للرد عليه هي عدم الانضمام إلى لعبته التهكمية، واستهداف شريحة كبيرة من الأميركيين بدل ذلك، فهذا أمر ممكن.

* المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية لدى شرق آسيا، ومستشار رئيسي لدى مكتب الاستشارات المتعلقة بالالتزامات العالمية، وأستاذ مادة ممارسة الدبلوماسية في جامعة دينفر، ومؤلف أوتبوست.

«بروجيكت سنديكيت، 2018»

بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top