ذكرى وأي ذكرى
تحل علينا غداً الذكرى الثامنة والعشرون للغزو. وللمصادفة تحل أيضاً في يوم خميس. ولا أعلم كم مرة تزامن تاريخ الثاني من أغسطس مع يوم الخميس، وإن كان لذلك التزامن أي معنى.عندما حدث الغزو الآثم في الثاني من أغسطس، كنت ضمن الذين كانوا في البلد، واتخذنا قراراً واعياً ملتزماً بالأرض وبالوطن أن نبقى ونواجه، وألا نغادره مهما كانت الظروف، والحمد لله أننا قمنا بذلك، فقد كشف لنا ذلك عن أنفسنا وذواتنا، وربما كشف لنا عن قدرات لدينا لم نكن نعلم بوجودها. قمنا بواجبنا تجاه وطننا وتصدينا للغزاة بصدور عارية دون منة ودون مبالغة فالوطن يستحق، وبالذات في مثل تلك اللحظات الحاسمة. كان أمراً إيجابياً تحول المجتمع بعد أن كان يمر بلحظات انقسام حادة قبل الغزو، إلى تماسك وتنسيق وتضحيات لها أول وليس لها آخر، بل تفجرت إبداعات الناس في كيفية مواجهة المحتلين. تفاعل الناس بمستوياتهم المختلفة في اتجاه واحد كان جميلاً ورائعاً. وبالمقابل مرت لحظات قاسية، مريرة، وبالذات عندما نفقد روحاً زكية اغتالتها يد الغزاة ظلماً وعدواناً، مثلما تفقد مناضلاً كفيصل الصانع، الذي تحمل أكثر منا جميعاً عبء مواجهة ضغوط الغزاة عليه شخصياً بحضورهم لبيته مرتين، وعندما يئسوا منه اعتقلوه وكل من كان بمنزله حينها. حاولت أكثر من مرة إقناع أبوزياد بالمغادرة، بعد أن اشتدت الأمور عليه شخصياً، إلا أنه كان مصراً على البقاء، والمواجهة. بدلاً من تخليد فيصل الصانع كأحد أهم الشخصيات المقاومة نجد من يغمز ويلمز. أو الطريقة البشعة التي اغتيل بها المناضل الصديق مبارك النوت في موقف سيارات جمعية العارضية، أو الصديقان يوسف المشاري وعبدالوهاب المزين، اللذان عادا من الخارج لقيادة وتنظيم صفوف المقاومة، وتمت مداهمة اجتماع كنا معهما معاً بمنطقة النزهة في أكتوبر. أذكر هؤلاء لأنني كنت معهم في أحداث كثيرة حتى آخر اللحظات دون تقليل من تضحيات الكثيرين الذين لم يأخذوا حقهم من التقدير. بنفس السياق هناك فصل في مسلسل الغزو الآثم، لا يعطى حقه من الاهتمام، وهو الأعداد الكبيرة التي عادت للبلاد من الخارج خلال الاحتلال، ومنهم الكثير من الأهل والأصدقاء الذين أسهموا بشكل فاعل في رفد وتقوية الصمود ضد العدوان البائس. وربما أولئك الذين عادوا وواجهوا المخاطر في الدخول، وقدومهم من أماكن آمنة، هم أكثر قوة والتزاماً منا نحن الذين كنا في البلد وقررنا التصدي والصمود.
هكذا الغزو ينذكر ولا ينعاد، ولنا أن نتساءل بعد كل تلك التضحيات والدماء الزكية التي سالت في سبيل عودة الوطن إلى أهله، هل تعلمنا من ذلك شيئاً؟ أي شيء؟ الدلائل لا تشير إلى أننا تعلمنا شيئاً.لربما كان التصدي للغزاة أكثر وضوحاً، فلم يكن بالمسألة تداخل، أو ألوان، بل لون واحد، أما الآن فقد تداخلت الأمور وتشابكت، وضاعت الأولويات، وصار لابد من حملة إنقاذ لوطن في غرفة الإنعاش، لعل وعسى.