شكّلت إعادة انتخاب بوتين لولاية رئاسية رابعة في شهر مارس بهامش 76% مع إقبال على صناديق الاقتراع بلغ 70% نجاحاً كبيراً للكرملين كان بحاجة إليه لتعزيز شرعية النظام في وجه التحديات المقبلة، بما فيها ركود النمو والأجور، كذلك يشير المراقبون إلى أن معدل التزوير خلال عملية الاقتراع كان أدنى من عام 2012، مع أنه لم يقل عن بضعة ملايين من الأصوات. يُضاف إلى هذه نحو سبعة ملايين صوت حصل عليها من خلال الإكراه الإداري والتعاوني، ولكن حتى من دون هذا التلاعب، كان سيحصل الرئيس الروسي على الأرجح على 70% من الأصوات مع إقبال على صناديق الاقتراع يبلغ 50%، ولا شك أن هذه نتيجة جيدة يحسده عليها الكثير من السياسيين الغربيين.
تميل أدوات العلوم السياسية إلى البحث عن تفاعلات تنازلية، مبالغةً في تصوير قدرة النظام على تشكيل الرأي العام من خلال استراتيجيات إعلامية قوية، وتصوغ الثقافة الشعبية أيضاً العقيدة السياسية، وهذه هي الحال في روسيا، حيث كان الكثير من خطط نظام بوتين قائماً في عالم الثقافة الشعبية في تسعينيات القرن الماضي، ولكن بخلاف الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي تمولها كاملاً أو جزئياً مؤسسات الدولة، تطورت الموسيقى الشعبية الروسية، مستندة بالكامل إلى منطق الربح، وسعت إلى تحقيق النجاح التجاري، ولكن لا يُعتبر التفاعل بين الموسيقى والسياسة جديداً ولا يقتصر على روسيا بالتأكيد. تأمل، مثلاً، دور موسيقى الريف (كانتري) في ربط الطبقة العاملة الريفية الأميركية بالحزب الجمهوري.تشمل الفرق، التي عملت منذ تسعينيات القرن الماضي على الترويج لمجموعة من عقائد نظام بوتين، ليوبيه، إحدى الفرق الأكثر شعبية في روسيا والمفضلة لدى بوتين، حسبما يُقال.تستمد هذه الفرقة، التي تشكّلت خلال حقبة البيريسترويكا (حركة الإصلاح داخل الحزب الشيوعي السوفياتي)، اسمها من ليوبارتسي، وهي حركة شبابية سرية ظهرت في ضواحي موسكو وارتبطت بثقاقة فرعية إجرامية مدنية مارست الملاكمة، وكمال الأجسام، والفنون القتالية. ركّزت الفرقة آنذاك على الأغاني السوفياتية القديمة من ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، مستخدمةً أدوات عزف قديمة.منذ مطلع العقد الماضي ركّزت ليوبيه على الأغاني الوطنية، التي استُعملت غالباً كموسيقى لمسلسلات صغيرة حققت أعلى المبيعات وتمحورت حول مواضيع مثل الجيش، أو الأجهزة الأمنية أو "سيلوفيكي"، القوات الخاصة أو "سبيتناز"، والبحرية. نتيجة لذلك حازت ليوبيه في السنوات الأخيرة مكانة شبه رسمية في الحفلات التي ترعاها الحكومة، كذلك كُلفت بكتابة الأغاني لأقسام القوات المسلحة.رغم ذلك، يجب ألا تُعتبر ليوبيه إحدى نتائج العقيدة التي رعتها الدولة، إذ تتمتع هذه الفرقة بشعبية حقيقية ونجاح تجاري كبير مع عشرات الملايين من الألبومات المبيعة والمشاهدات على موقع "يوتيوب".نجحت ليوبيه في أن تجسّد في عالم الموسيقى الخطط والمحاور العقائدية الرئيسة التي يتبعها الكرملين، كذلك يعكس مسارها مسار نظام بوتين: شكّلت موضة العهد السوفياتي السابق، التي ركّزت على الفنون القتالية وكمال الأجسام، مصدر إلهام للغة الجسد الرجولية التي يتبناها النظام اليوم.تنشر روايات الدولة ووسائل الإعلام المدعومة من الكرملين هذه الوحدات الرئيسة من العقيدة وتروّج لها، لكن ما يجعل هذه الوحدات العقائدية ملائمة لشريحة كبيرة من المجتمع أنها من نتاج ثقافة شعبية أساسية (تُعتبر بالتالي ميالة للسوق ومرتبطة بالتجارة والمقاولات) لا ضغط تنازلي. لا تتبع هذه الثقافة الشعبية "أوامر الكرملين" لكي تقرر المهم بالنسبة إليها، بل على العكس تسعى الإدارة الرئاسية إلى تشرّب الثقافة الشعبية، والتقاط بعض محاورها، وضمان هيمنتها الثقافية. إذاً، تعزز كل من الإدارة الرئاسية والثقافة الشعبية الأخرى؛ مشكلتين معاً توقعاً يحقق ذاته، وهكذا تتفادى دراسة استهلاك المواطنين العاديين الثقافي تحليلات شرعية النظام الروسي التي تتمحور حول بوتين أو الكرملين. وتشكّل ليوبيه واحداً من أمثلة كثيرة عن كيفية مساهمة الثقافة الشعبية في الكشف عن "إجماع حقيقي حول بوتين".* مارلين لورويل*«يال غلوبال»
مقالات
الثقافة الشعبية وإرث بوتين
02-08-2018