رحم الله أبي
رغم مرور ثمانية وعشرين عاماً على الغزو العراقي للكويت وما تركه هذا العدوان الآثم من ألم ما زال ينزف في صدور أهلها، فإن هذه الصفحة لم تثنِ بلد السلام عن تقديم كل ما من شأنه تخفيف معاناة شعب العراق.
بعد أن أنهيت دراسة الصف الثاني الابتدائي وانتقلت إلى الصف الذي يليه قرر والدي، رحمة الله عليه، التسجيل في التعليم المسائي، حيث أنهينا معاً الصف الرابع الابتدائي، لأن الدراسة المسائية آنذاك بالمرحلة الابتدائية مكثفة، وتسمح بجمع عامين دراسيين في سنة واحدة، وبعدها ترك الوالد، رحمة الله عليه، الدراسة بما تعلمه من تلك المرحلة. ولإشباع فضولي كنت دائما أسأله عن سبب عدم مواصلة الدراسة، فكان يعلل ذلك بمشاغل الحياة، وأنه حقق مبتغاه بالقراءة. بهذه البساطة كانت إجابته، رحمه الله، فهو لم ينظر إلى التعليم كما ننظر إليه الآن، فقد كان غاية همه القراءة ومتابعة ما يدور حوله بما تنقله الصحف من مقالات وأخبار، والتي استطاع من خلالها أن يكون مثقفاً واسع الاطلاع.
أذكر جيداً متابعته ونظرته للأحداث المحلية والعالمية وتفاعله مع قضايا الوطن العربي، ولكثر حماسته للهوية العربية أطلق اسم "جمال" على أخي تيمناً بالرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، لكن هذا لم ينسه ولو للحظة تقديم حب الكويت على ما سواه من حب.رغم عشقه للبيت العربي فإنه كان يميز الخبيث من الطيب، لذلك لم ينخدع بشعارات البعث والاشتراكية الزائفة، ولم أسمعه يوماً في حياتي امتدح صدام العراق، فكان لا يسميه إلا بالملعون، ودائماً يذكّرنا بمن سبقه باللعنة عبدالكريم قاسم، وهذا كله قبل أن يقرر المقبور صدام اجتياح الكويت. أغلب هذا الجيل ومن بقي منه على قيد الحياة تحلى بقيم أخلاقية واجتماعية، وضرب أروع الأمثلة في بذل العطاء والإخلاص في العمل، فمن خلالهم قامت نهضة الكويت الحديثة، وإليهم يعود الفضل في غرس قيم الولاء عند جيلنا، لذلك وقبل أن نستذكر ساعات الغزو الأولى علينا أن ندين لهم بالفضل لما غرسوه في وجداننا من حب للوطن.لقد وقف أهل الكويت على كلمةٍ واحدة بتمسكهم بالشرعية ورفضهم للغزو العراقي، حتى بزغت شمس الحرية وعادت الكويت إلى أهلها بفضل الله سبحانه وتعالى، ومن وقف معنا من شرفاء العالم، فعلى الرغم من مرور ثمانية وعشرين عاماً على الغزو العراقي للكويت وما تركه هذا العدوان الآثم من ألم ما زال ينزف في صدور أهلها، فإن هذه الصفحة لم تثنِ بلد السلام عن تقديم كل ما من شأنه تخفيف معاناة شعب العراق، وفتح صفحة جديدة مع عراق ما بعد صدام، إيماناً منها بالقيم الإنسانية والأخلاقية التي تنطلق من الثوابت الإسلامية والعربية. من المؤسف ونحن نستذكر هذا اليوم الأسود أن ينحصر تفكيرنا في تسميته "غزوا عراقيا أم غزوا صداميا" فكل ما أتمناه ألا يضيع عطاء أجيال أهدت أرواحها فداءً لتراب الوطن على مدى التاريخ لحفظ أسواره، وأن تكون تضحياتهم حاضرةً في ضمائرنا ونهجاً نسير عليه، وأن نحافظ على الكويت بلد السلام والحرية وصوت العقل.حفظ الله الكويت وأميرها وشعبها من كل سوء.ودمتم سالمين.