في واحدة من أسوأ الأزمات الدبلوماسية بين البلدين منذ الأزمة التي أثارها احتلال تركيا للقسم الشمالي من جزيرة قبرص في عام 1974، تدهورت العلاقات الحساسة بين تركيا والولايات المتحدة في الساعات القليلة الماضية، بعدما أعلنت وزارة الخزانة الأميركية مساء أمس الأول، فرض عقوبات اقتصادية على وزيري العدل والداخلية التركيين عبدالحميد غول وسليمان سويلو، وذلك على خلفية احتجاز القس الأميركي أندرو برانسون (50 عاماً) الذي تتهمه أنقرة بممارسة أنشطة إرهابية والتجسس، ووضعته قيد الإقامة الجبرية قبل أسبوعين، بعد اعتقاله عاما ونصف العام.

وردت أنقرة على هذا القرار غير المعتاد بحق دولة حليفة، والصادر بعد تسارع تصعيد التوتر في الأيام الأخيرة بغضب، متوعدة بفرض عقوبات «مماثلة» بشكل «فوري».

Ad

وأعربت وزارة الخارجية التركية، عن «احتجاجها الشديد»، متوعدة بالرد على العقوبات الأميركية.

ووصفت «الخارجية» الموقف الأميركي بـ «العدائي، الذي لا يخدم أي هدف»، إذ أكدت في بيان لها، أن تركيا «سترد بالمثل على الموقف الأميركي من دون تأخير»، مطالبة الإدارة الأميركية بـ «التراجع عن القرار الخاطئ».

ومن الجهة القانونية، لفتت الخارجية التركية إلى أن القرار «لا يمكن تفسيره من خلال مفهومي القانون والعدالة»، كما اعتبرته «تدخلا ينم عن قلة الاحترام في النظام القضائي، وانتهاكـــا لجوهــــر العلاقـــــة التركية - الأميركية».

وكانت الناطقة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز قد صرحت أمس الأول بأنه: «نعتقد أن القس برانسون كان ضحية معاملة ظالمة وغير مبررة من جانب الحكومة التركية»، معلنة العقوبات بحق المسؤولَين التركيَين.

وأوضحت وزارة الخزانة الأميركية أنه تمت مصادرة ممتلكات الوزيرين التركيَين وأصولهما. ومنعت إدارة الرئيس دونالد ترامب أيضا أي مواطن أميركي من القيام بأعمال معهما.

سخرية وتنديد

وسخر وزير العدل التركي، من القرار الأميركي، قائلا إنه «لا يملك قرشاً واحداً في الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى خارج بلاده»، كما أكد أيضا أن قرار البيت الأبيض بإعلان العقوبات يعد «تدخلا في القضاء التركي».

وفي السياق ذاته، كتب وزير الداخلية التركي على «تويتر»، أمس: «هناك شيء ملك لنا في أميركا: منظمة فتح الله الإرهابية»، في إشارة إلى الحركة التي يتزعمها رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، الذي تتهمه تركيا بالتخطيط للمحاولة الانقلابية التي وقعت في يوليو 2016. وأضاف: «لدينا أمر واحد في أميركا، وهو فيتو» (تسمية مصغرة لفتح الله غولن)، لن نتركه هناك، وسنستعيده».

ونددت الصحف التركية بالإجماع، أمس، بالعقوبات الأميركية، وكتبت صحيفة «حرييت» المؤيدة للحكومة «قرار مشين لواشنطن»، بينما كتبت صحيفة المعارضة «جمهورييت» إنها «قطيعة تاريخية». وكان تهديد الرئيس الأميركي ونائبه مايك بنس الأسبوع الماضي بفرض عقوبات قد صعّد التوتر، وأثار القلق في الأسواق المالية.

وتلقي قضية برانسون بظلالها على العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة منذ عامين تقريبا.

فقد أوقف القس المتحدر من كارولاينا الشمالية في أكتوبر 2016 في إطار عمليات التطهير التي أطلقتها السلطات التركية، بعد محاولة الانقلاب في يوليو من العام نفسه.

وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن وزير الخارجية مايك بومبيو تحادث هاتفيا مع نظيره التركي مولود تشاوش أوغلو، على أن يلتقيه هذا الأسبوع في سنغافورة للمطالبة بالإفراج عن القس الأميركي.

الليرة التركية

وأثّر إعلان العقوبات الأميركية على العملة التركية التي واصلت هبوطها، أمس. فقد تراجع سعر الليرة التركية بنسبة 2.1 في المئة إلى 5.0157 ليرات لكل دولار.

وذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، أن تركيا مازالت عرضة لتحولات مزاج المستثمرين في ضوء احتياجاتها الكبيرة من التمويل الخارجي، مضيفة أن أي خروج لرؤوس الأموال الأجنبية من تركيا سيزيد الضغط على العملة والسندات التركية.

يذكر أن الليرة فقدت أكثر من 20 في المئة من قيمتها أمام الدولار منذ بداية العام الحالي، وهو ما أدى إلى تراجع قدرة الشركات على إعادة سداد ديونها المقومة بالعملة الأجنبية، وارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 10 في المئة، كما فقد أصحاب المدخرات بالعملة المحلية التركية أكثر من 30 في المئة من قيمة مدخراتهم، بسبب انهيار سعر العملة خلال العام الحالي.