التنافس الإيطالي الفرنسي يضاعف الفوضى السياسية في ليبيا
من الواضح أن التنافس الفرنسي الإيطالي على الهيمنة في ليبيا لن يساعدها وربما يدفعها نحو التفكك الذي يعني عدم قدرة باريس وروما على الفوز في الأجل الطويل.
جرت آخر انتخابات برلمانية في ليبيا في الخامس والعشرين من شهر يونيو سنة 2014 عندما اختار الليبيون مجلس النواب الجديد بعد انتهاء فترة المؤتمر الوطني العام في ذلك البلد، وكان الأمل أن تفضي تلك الانتخابات إلى الاستقرار الداخلي وإنهاء موجة العنف التي عصفت بليبيا منذ إطاحة العقيد معمر القذافي بمساعدة من حلف شمال الأطلسي في شهر أكتوبر من عام 2011.وفي انتخابات سنة 2014 أصيب معظم الليبيين بخيبة أمل، وتملكهم شعور متزايد بالشك من العملية الانتخابية برمتها، كما أن عدد المقترعين بلغ 630 ألفاً وهو أقل من نصف من يحق لهم التصويت بحسب السجلات الرسمية. ولم تحقق تلك الانتخابات السلام في البلاد، ولا أنهت موجة العنف فيها، وعلى العكس من ذلك فقد ازدادت المشاكل وظهرت مؤشرات حرب أخرى عندما رفض ائتلاف من الإسلاميين نتيجة تلك الانتخابات وقرر السيطرة على ليبيا بالقوة، ثم أطلق حملة عسكرية أطلق عليها اسم «عملية فجر ليبيا» بدأت في 13 يوليو من عام 2014 وانتهت في الشهر التالي بعد السيطرة التامة على العاصمة طرابلس، وقد أسفرت تلك العملية عن إلحاق دمار هائل في الممتلكات المدنية والحكومية.ولكن الانتخابات، كما يبدو، لا تحقق دائماً ما يتطلع الشعب إليه ولكنها الشيء الأفضل الذي يمكن للمبعوثين الدوليين طرحه، ولا يشكل مبعوث الأمم المتحدة الحالي إلى ليبيا غسان سلامة استثناء من هذه القاعدة، وفي التاسع والعشرين من شهر مايو الماضي استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قمة في باريس جمعت كل الأطراف الليبية المتنافسة التي أعربت عن موافقتها على إجراء الانتخابات المقبلة التي اقترحها غسان سلامة في العاشر من شهر ديسمبر على اعتبارها المخرج الوحيد من الفوضى التي تسود ليبيا.
فرنسا في الطليعة
ومن جديد عادت فرنسا إلى الواجهة داعية كل الأطراف الليبية إلى الوفاء بوعودها حول إجراء الانتخابات في الموعد المحدد، كما قام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان بزيارة إلى ليبيا في 23 يوليو الماضي لتفقد مراكز القوة الثلاثة وهي طرابلس ومصراته وبنغازي.وفي طرابلس أبلغ لو دريان حكومة الوفاق الوطني أن فرنسا ستسهم بمئة مليون يورو– أي 117 مليون دولار– في نفقات العملية الانتخابية وأنه يجب أن تمضي الانتخابات قدماً.وفي مصراته أراد وزير الخارجية الفرنسي التأكد من أن مجلسها المحلي وميليشياتها المسلحة لن تعرقل الانتخابات المقررة والمتفق عليها نظراً لأن مصراته لم تكن حاضرة في اجتماع باريس المذكور.كما اجتمع لو دريان في بنغازي مع عقيلة صالح رئيس البرلمان من أجل التأكد من أن مجلس النواب سيقر قانون الانتخابات المطلوب كما تم الاتفاق عليه من قبل، واجتمع أيضاً مع المشير خليفة حفتر من أجل تذكيره بضرورة عدم تأجيل تلك الانتخابات لأي سبب كان وأن على الجيش العمل على تحقيقها.مسألة الانتخابات
ولكن السؤال هو: هل أن ليبيا تعاني الافتقار إلى انتخابات؟ ويبدو أن فرنسا تعتقد على الأقل أن هذه حقيقة فيما تسعى الى تحقيق سياستها في ليبيا، ويرجع ذلك بشكل جزئي إلى أن منافستها ايطاليا تعتقد العكس، واللافت، على أي حال، أنه لم تتم دعوة إيطاليا إلى قمة شهر مايو التي استضافتها فرنسا، وتجدر الإشارة إلى أن ايطاليا استعمرت ليبيا (1911– 1943) قبل أن تدحرها قوات الحلفاء ومن بينهم فرنسا.وقد وفر ذلك لفرنسا هيمنة وسيطرة على الإقليم الجنوبي من ليبيا المعروف باسم فيزان، وفي اجتماع سابق استضافه الرئيس الفرنسي وجمع بين رئيس الوزراء الليبي فايز السراج والمشير حفتر في 24 يوليو 2017 شعرت روما بغضب؛ مما اعتبرته أسلوب الازدراء المتزايد من قبل ماكرون، وأبلغ دبلوماسي إيطالي وكالة رويترز يومها أن «الرئيس الفرنسي الجديد يريد مشاركة أكبر في ليبيا، ولا بأس في ذلك، ولكنه استبعدنا ولم تتم استشارتنا في هذا الأمر»، وكانت إيطاليا تتصدر دائماً الجهد المتعلق بالملف الليبي، ويبدو أن كل دول الاتحاد الأوروبي تقريباً تقبل بهذه الحال على شكل حقيقة واقعة. وفي حقيقة الأمر، فقد كانت علاقات إيطاليا التاريخية مع مستعمرتها السابقة وروابطها الاقتصادية الواسعة محور سياستها إزاء جاراتها في منطقة البحر الأبيض المتوسط.وفي عام 2008 وقعت إيطاليا وليبيا معاهدة تاريخية أنهت نزاعهما حول فترة الاستعمار السابقة، ومهدت السبيل لعصر جديد في العلاقات الثنائية قبلت إيطاليا بموجبه تحمل المسؤولية عن احتلالها الوحشي لليبيا، ووافقت على تعويضها بنحو خمسة مليارات دولار على مدى 25 عاماً.وحصلت إيطاليا في مقابل ذلك على وضعية شريك تجاري مفضل مع الدولة الغنية بالنفط إضافة إلى فوائد اقتصادية أخرى، وتجدر الإشارة إلى أن إيطاليا تستورد 25 في المئة من النفط و10 في المئة من الغاز من ليبيا، كما أن شركة «ايني» الإيطالية العملاقة للطاقة تملك حصة رئيسة من صناعة النفط والغاز في ليبيا، وفيما تنافس شركة توتال الفرنسية شركة «ايني» يبدو أن باريس قبلت علانية تصدر روما في هذا المسار حتى الآونة الأخيرة على الأقل.الانتخابات الليبية
لا تزال إيطاليا تفضل تأجيل الانتخابات في ليبيا، وهي تدعو الدول الأجنبية إلى عدم التدخل لتقرير موعدها، كما أن وزير الخارجية الإيطالي أنزو موفيرو ميلانيسي قال في الحادي عشر من شهر يوليو الماضي «الشعب الليبي ومؤسساته سيقرران موعد إجراء الانتخابات».وفي حقيقة الأمر يصعب على ليبيا إجراء انتخابات نزيهة وسلمية في هذه المرحلة، لأن الافتقار إلى الأمن يشكل عقبة رئيسة، وخصوصا في الإقليم الجنوبي، حيث تتمتع حكومة الوفاق الوطني ومنافسها الذي يتخذ من طبرق مقراً له بقدر طفيف من السيطرة، كما يوجد في ذلك الإقليم العديد من الميليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية التي انتشرت هناك طوال السنوات السبع الماضية.وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت انتخابات سنة 2014 أفضت الى أكثر انقسام سياسي خطورة في البلاد فإن إجراء أي انتخابات في ليبيا في ظل الوضع الأمني السائد والتنافس السياسي يمكن أن يفضي الى تقسيمها على أسس إقليمية. وقد ظهر مؤشر مهم على ذلك في التاسع عشر من شهر يوليو الماضي عندما استقال فتحي المجبري من حكومة الوفاق الوطني وغادر طرابلس، وجاءت تلك الخطوة احتجاجاً على ما وصفه بهيمنة الميليشيات في العاصمة والتي أفضت بشكل فعلي الى إحداث شلل في حكومة الوفاق.ومن الواضح أن التنافس الفرنسي الإيطالي على الهيمنة في ليبيا لن يساعدها وربما يدفعها نحو التفكك الذي يعني عدم قدرة باريس وروما على الفوز في الأجل الطويل.
في انتخابات 2014 أصيب معظم الليبيين بخيبة أمل وتملكهم شعور متزايد بالشك في العملية الانتخابية برمتها
فرنسا عادت إلى الواجهة داعية كل الأطراف الليبية إلى الوفاء بوعودها حول إجراء الانتخابات في الموعد المحدد
في 2008 وقعت إيطاليا وليبيا معاهدة تاريخية أنهت نزاعهما حول فترة الاستعمار السابقة ومهدت السبيل لعصر جديد في العلاقات الثنائية
فرنسا عادت إلى الواجهة داعية كل الأطراف الليبية إلى الوفاء بوعودها حول إجراء الانتخابات في الموعد المحدد
في 2008 وقعت إيطاليا وليبيا معاهدة تاريخية أنهت نزاعهما حول فترة الاستعمار السابقة ومهدت السبيل لعصر جديد في العلاقات الثنائية