تعد وسائل التواصل الاجتماعي المتمثلة بالـ"فيسبوك"، و"تويتر"، و"إنستغرام" و"سناب شات" قنوات تمكن أفراد المجتمع الواحد من التفاعل مع بعضهم، وذلك بطرح أفكارٍ وآراءٍ ومقترحات تحدث التغيير في حياتهم للأفضل أو الأسوأ بحسب منظورهم وتطلعاتهم، فما يتم تداوله خلال هذه الشبكات يستهدف أفراد المجتمع عامةً والفئة الشبابية خاصةً، فالمتلقون الشباب من الفئة العمرية المحصورة بين عمر الخامسة عشرة وصولاً إلى الفئة التي تبلغ الثلاثين عاماً تشكل الجزء الأكبر والأكثر تأثرا وتأثيراً في المجتمع، وهذه الفئة تحديداً بمقدورها تغيير توجه المجتمع بأكمله من خلال ما يتم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ومن هذا المنطلق وجد المشاهير من هذه الوسائل الملاذ الذي يمكنهم من الوصول إلى الناس بوقت قياسي، ويظهرهم بالهيئة التي لطالما كانت كالحلم الذي يراودهم في يقظتهم ومنامهم، تلك الهيئة التي تكسبهم احترامهم أمام أصدقائهم وأهلهم ومجتمعهم، فيتحدثون أمام المتلقين خلف ستار الوهم واللاواقعية، مما يجعلهم يزيفون الحقائق والوقائع الخاصة في حياتهم أو حياة من حولهم، ظناً منهم أن المتلقين سيتأثرون بذلك كله دون مقاومة أو ردة فعل متناسين ما يخلفه ذلك من أبعاد نفسية وخلقية من شأنها زعزعة النسيج المجتمعي.
وإن الأفكار هي اللبنة الأساسية والركيزة الأولى المؤثرة في قناعات الإنسان، وما يجول في خاطره، وهي وحدها تقوم بتعزيز أو استئصال صفات أو عادات مكتسبة لدى الفرد، فإذا كان مصدر تلك الأفكار ما يقال على لسان مشاهير التواصل الاجتماعي، وتدعو إلى بث العنصرية (الطائفية- القبلية) فلن تخلف وراءها سوى قلقلة في أواصر المجتمع الواحد، فترسخ تلك المفاهيم الخاطئة محدثةً خللاً في النظام، وليس ذلك فحسب؛ إنما تسير شبابنا وتشجعهم على أعمال التخريب والتشويه، والتي تكون تبعاتها خطيرة، فيفقد الفرد منا الإحساس بالأمان ووجود نظام متوازن، فتتعمق تلك الأفكار التي تساهم في التخلي عن العادات والتقاليد الموروثة باسم حرية التعبير والرأي المستقل، فترى مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي وهم يحرضون الفئة الشبابية على فعل ما يتنافى مع الأعراف والدين، ومثال على ذلك ارتداء ملابس وأخذ صور ومقاطع فيديو غير لائقة من شأنها تشويه صورة المجتمع المتحضر، بالإضافة إلى آرائهم التي تستوجب حذر الفرد من الإنصات والعمل بها دون تبين، وعلى المرء منا ألا يجعل تلك الأفكار تسيره وتسلبه إرادته، فكما قال الكاتب والمفكر مصطفى محمود: "القشة في البحر يحركها التيار والغصن على الشجرة تحركه الريح والإنسان وحده هو الذي تحركه إرادته".وتعتبر الأخلاق الحسنة من سمات المؤمنين الصالحين، ولتصبح فرداً صالحاً لمجتمعك لا بد أن تكون على خلق قويم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، فالأخلاق تضمن للمجتمع بقاءه واستمرارية أفراده بالعطاء، وانعدامها يترك وراءه الدمار والحسرة والخيبة، فإذا ما شاعت السلوكيات الخاطئة، كعدم احترام الآخرين والذوق العام واستصغار من هم أقل شأناً منا وممارستها من مشاهير التواصل الاجتماعي، سيؤدي ذلك إلى شيوع الخلافات والفتن بين أفراد المجتمع الواحد؛ مما يسهم باتساع الشروخ الأخلاقية، وينعكس سلباً على المجتمع الإسلامي المحافظ، فتسود الفوضى إلى أن يفقد المجتمع هويته. إن الزوبعة التي يثيرها مشاهير التواصل الاجتماعي لن تتوقف دون إرادة أو مقاومة، فدعونا لا نتأثر بالفكر والسلوك الخاطئ، ونحاول جاهدين تقصي حقيقة ما يقولونه أو يعرضونه، وفي ذلك يحضرني كلمة للراحل رفيق الحريري: "لا تصدق كل ما تسمعه أذناك، وصدق نصف ما تراه عيناك، واترك النصف الثاني للعقل، فاستعمالكم للعقل سيكون هو المصفاة التي تؤدي بالنتيجة إلى معرفة الحقيقة التي يحاول الكثير من الناس في هذه الأيام طمسها فيكم"، فكم يحزننا هجران بعض الشباب العلم ومناهله، وعدم تركيزهم على المستقبل وانشغالهم بالمواضيع السطحية المتناقلة في بوابات التواصل الاجتماعي عوضاً عن بحثهم واهتمامهم بالمواضيع المهمة التي تنهض بها الأمم وتتطور بها المجتمعات.
مقالات - اضافات
زوبعة المشاهير... إلى أين؟
04-08-2018