أصابع الاتهام
منذ أن طالعتنا الصحف وانتشر بين وسائل التواصل الاجتماعي موضوع تزوير الشهادات ترددت في كتابة مقال لإلقاء اللوم على من؟ وتوجيه أصابع الاتهام لمن؟ فأعدت النظر وتذكرت الآية التي يقول الله تعالى فيها "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ".فهذه الظاهرة ليس المعني بها أفرادا إنما مجتمع بأسره نوجه إليه أصابع الاتهام بمن فيهم أنا صاحبة هذا المقال، فانتشار الفساد وانحلال الأخلاق وتدهور كثير من خدمات البلاد كلها تعود علينا كمجتمع.
ودعوني أوضح لكم على حسب فهمي للآية، وما قرأت من تفاسير لها، فنحن عبارة عن مخلوقات متصلة غير منفصلة توجد بيننا روابط سواء كانت اجتماعية أو فيزيائية، وترددات ومجالات طاقية بحيث نتأثر ونؤثر في الآخرين بمجرد فكرة، فقرأت ذات مرة عن مدى تأثير المجال الطاقي بنا من حيث لا نعي، فلو أن فراشة رفرفت بجناحيها في إفريقيا لحدث إعصار في اليابان، وربما مثلا فكرت في يوم من الأيام أن أقوم بمثل هذا التصرف المشين لأتوظف بالجامعة، لكنني أعرضت عن هذه الفكرة وتخليت عنها، بل اجتهدت ودرست وحصلت على الشهادة وأنا مستحقة لها، إلا أن الفكرة مازالت موجودة في المجال الطاقي، وإذا كنت قد دعمتها بمشاعر فياضة، فنراها قد ظهرت بأشكال مثل أولئك الذين أثرت فيهم. فكم واحد من قبل فكر بمثل هذه الفكرة، وقس على ذلك الفساد كم واحدا فكر أن يرتشي؟ وكم واحدا فكر أن يظلم؟ أحيانا تأتي الأفكار عابرة محملة بالمشاعر من قسوة ما يحدث لها في الخارج، ثم يعدل عنها ويستغفر، إلا أنها حلقت عبر الأثير. وهذا أحد المفاهيم التي توصلت لها، أما الآخر فمن لجأ إلى تزوير شهادته فهناك دافع جعله يقوم بمثل هذا الفعل، فمثلا قد يقوم به شخص يحتل مكانة رفيعة ومنصبا عاليا ولم يضبطه أحد ففلت من العقوبة، بل تقلد مناصب عالية في الدولة، وكذلك انتشار الفساد كما نسمع ونعلم، أحيانا يدار هذا الفساد من تحت الطاولات، وأحيانا يصرح به علنا فلا يجد له رادعا، أو لأنه ابن فلان لا تقع عليه العقوبة بالرغم من سلوكياته غير الأخلاقية. فغياب العقوبة يجعل المرء يسيء الأدب، واللائمة لا تقع على أولئك المزورين وسالكي درب الفساد بل على كل فرد في المجتمع؛ لذا علينا مراجعة أنفسنا لنرى ما الذي كسبته أيدينا لتحل علينا مثل هذه المصائب، وأيضا لنكن واعين تجاه الأفكار التي نصدرها من غير وعي ومحملة بكثير من المشاعر، التي تدعم مثل هذه السلوكيات والأخلاقيات السلبية في حياتنا، وتذكر أن كل مصيبة أو حادثة تقع في محيطك ومجتمعك هي انعكاس لما في داخلك.