أزمة التعليم والقانون الذي يحلها
مع بداية كل عام دراسي تعود مشكلة الأقساط الجامعية، وما تشكله من عبء على كثير من العائلات، لتذكرنا بأزمة التعليم في فلسطين، فهناك من ناحية أعداد كبيرة من خريجي التوجيهي المتفوقين والمتفوقات الراغبين في استكمال دراستهم الجامعية، وهناك من ناحية أخرى قدرات مادية محدودة لدى أهاليهم لتغطية الأقساط الجامعية، خصوصا أن بعض العائلات لديها ثلاثة أو أربعة وحتى ستة طلاب في سن الدراسة الجامعية في الوقت نفسه. في ظل غلاء المعيشة المستفحل قد تستطيع عائلة فقيرة الحال، أو حتى متوسطة الحال أن تؤمن أقساط طالب أو طالبين، ولكن من المستحيل حتى على عائلة ميسورة نسبيا تأمين أقساط وتكاليف ودراسة أربعة أو خمسة أو ستة طلاب في آن واحد.وعلى الجانب الآخر تنجلي مشكلة إدارات الجامعات الواقعة بين مطرقة المطالب العادلة لنقابات العاملين، وبين سندان مطالب الحركة الطلابية العادلة أيضا، بعدم رفع الأقساط الجامعية.
بعض الجامعات لجأت إلى أسلوب فتح ما يسمى بمسار التعليم الموازي، الذي يسمح للطلبة الميسورين من أصحاب المعدلات المنخفضة نسبيا بدخول التخصصات ذات المعدلات المرتفعة، مقابل دفع أقساط جامعية مضاعفة. وكثير من الجامعات أصبح يبالغ في قبول أعداد كبيرة من الطلبة والطالبات لتأمين دخل أعلى من الأقساط، وكلا الأمرين، زيادة الأعداد والمسارات الموازية، يلحقان أذى ملموسا بنوعية التعليم ومستوى الخريجين. هذه ليست مشكلة جديدة، فقد تم الانتباه لها منذ عقود، وتم إجراء دراسات علمية لكيفية حلها بمشاركة إدارات وأساتذة الجامعات وطلابها، وتم التوصل إلى قناعة واضحة بأن الحل هو إنشاء صندوق وطني للتعليم العالي، يوفر المنح للمتفوقين، والقروض المسهلة لباقي الطلبة، على أن يسددوها بعد تخرجهم وانخراطهم في سوق العمل، وليس قبل ذلك، وهذا أمر تمارسه الدول الحريصة على تعليم أبنائها في كل العالم. وبناء على هذه الدراسات قمنا بإعداد مشروع قانون لإنشاء الصندوق الوطني للتعليم العالي، وتم تقديمه للمجلس التشريعي المنتخب في عام 2006، الذي أقره بالقراءة العامة وبالإجماع. الكثير من القوانيين التي تم إصدارها خلال السنوات العشر الماضية كمراسيم بقانون لم تبحث ولم تناقش أصلا في المجلس التشريعي، أما قانون الصندوق الوطني للتعليم العالي والذي حظي بإجماع أعضاء المجلس التشريعي على اختلاف توجهاتهم السياسة فلم يتم إصداره. بعض المسؤولين يعتقدون أن صندوق الإقراض القائم حاليا يغني عن هذا القانون، وذلك غير صحيح، لأن صندوق الإقراض الحالي محدود وجزئي، ولا يلبي احتياجات الطلبة، ويجبرهم على البدء بتسديد القروض وهم ما زالوا على مقاعد الدراسة. ولو أصدر قانون الصندوق الوطني للتعليم العالي وطبق لوفر حلا للمشاكل الثلاث التي يعانيها التعليم العالي، إذ إنه سيفتح فرصا متكافئة للتعليم للطلبة والطالبات دون استثناء، وبغض النظر عن الغنى أو الفقر، وسيعفي أهاليهم من عبء الأقساط التي سيتحملها في النهاية الخريجون أنفسهم بعد أن يبدؤوا بالعمل. وسيضمن نظام القانون صندوقا دوارا يتغذى باستمرار من تسديد القروض، ولا يحتاج إلى هدر متواصل للأموال، وسيحل من ناحية أخرى مشكلة التدفق المالي لميزانيات الجامعات لأن كل طالب وطالبة سيدخل الجامعة ومعه قسطه الجامعي الكامل، ولن تحتاج الجامعات إلى المبالغة في أعداد طلبتها، ولا إلى زيادة الأقساط الدراسية في كل عام. وستكون إحدى النتائج الاجتماعية المهمة لتطبيق القانون الحفاظ على نوعية التعليم، وتحقيق العدالة والمساواه بين الطلبة بتكافؤ الفرص، ونفي الحاجة للوساطة والمحسوبية التي تتفشى في مجتمعنا بشكل خطير، فالبعثات والقروض سيتم الحصول عليها بالقانون، وحسب القانون.أضف إلى ذلك أن هذا الصندوق يمكن أن يصبح جامعا لتبرعات كثيرة، يقدمها أشخاص حريصون على مستقبل التعليم في فلسطين، دون أن يضطروا إلى توظيف تبرعاتهم من خلال صناديق عائلية أو جهوية. المشكلة واضحة، والحل واضح، فهل يصدر قانون الصندوق الوطني للتعليم العالي؟ أم ستتواصل آلام العائلات العاجزة عن توفير التعليم لأبنائها، وسيستمر حرمان شباب وفتيات متفوقات كثيرات من فرص التعليم؟ * الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية