أيدت محكمة التمييز الجزائية، برئاسة المستشار عبدالله جاسم العبدالله، حكم محكمة الاستئناف الجزائية، ببراءة النائب السابق المحامي مشاري العصيمي، والإعلامي عمار تقي، من تهمة الإساءة إلى النائب السابق شارع العجمي، في القضية التي رفعتها النيابة العامة ضد العصيمي، على خلفية التصريحات التي أدلى بها لبرنامج "الصندوق الأسود"، الذي عرض على قناة "الكوت" الفضائية قبل إيقافها من وزارة الإعلام، بشأن حصول نواب سابقين، بينهم الشاكي، على منازل من الحكومة.ورفضت "التمييز" الطعن المقام من النيابة ضد الحكم الصادر من محكمة الاستئناف ببراءة العصيمي وتقي ومدير قناة الكوت، وايدت حكم الاستئناف بالبراءة، والذي ألغى حكم محكمة أول درجة، القاضي بحبس النائب السابق مشاري العصيمي، وتغريم "الكوت" وتقي 5 آلاف دينار.
وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن الحكم المطعون فيه بعد أن أورد واقعة الدعوى، كما صورتها النيابة، وما ركنت إليه في ثبوت الاتهام قبل المطعون ضدهم، مما شهد به الشاكي، وما جاء بأقوال المطعون ضدهم بتحقيقات النيابة، وما ثبت من تقرير تفريغ إدارة الإعلام المرئي والمسموع بوزارة الإعلام لمحتوى القرص المدمج المسجل عليه البرنامج محل الاتهام، خلص الى براءة المطعون ضدهم في قوله، وكان سند إباحة حق البث وحق النقد هو استعمال الحق وما يقتضيه من وجوب توافر الشروط العامة، ومنها صحة الواقعة أو الاعتقاد بصحتها وطابعها كشرط تحقيق المصلحة العامة التي تقوم عليها تلك الإباحة، وكان ما تضمنه بث البرنامج محل الاتهام من قول للمتهم الثالث بوصفه عضو مجلس أمة سابقا يمثل نقدا لعمل الحكومة في منح بيوت العينة لثلاثة أعضاء من مجلس الأمة ومنهم الشاكي، وكان المتهم المذكور يرى صحة هذا الاعتقاد، وقد كان محل سؤال برلماني قدمه في حينه الى وزير الإسكان".
عبارات البث
ولفتت المحكمة الى أنه "ولما كان ذلك، وكانت هذه المحكمة بما لها من سلطة في تأويل عبارات البث موضوع الاتهام، وتحري حقيقة مقاصده والباعث على بثه، فإنها ترى ان ما ورد به لا يخرج عن نطاق الحق الدستوري في حرية الفكر وإبداء الرأي، وان جملة ما ورد بالبث على لسان المتهم الثالث لا يعدو إلا أن يكون نقدا من وجهة نظر المذكور، بوصفه عضوا سابقا في مجلس الامة، لأداء الحكومة وبعض أعضاء المجلس في التعامل مع الملف الاسكاني وتوزيع بعض القسائم السكنية، اعتقادا منه بعدم عدالة ذلك التوزيع".واستدركت: "وكما ان كانت هناك بعض العبارات المستخدمة في الخبر تنطوي على وصف مبالغ فيه لمواقف بعض أعضاء مجلس الأمة، ومنهم الشاكي، إلا انه لا يمكن القول إنها تتضمن المساس بكرامته أو بسمعته باعتباره شخصية عامة، عضو مجلس أمة، في حينها، كما أنها تدخل في دائرة النقد المباح وليست شائنة في ذاتها، وكان الهدف منها تحقيق المصلحة العامة من وجهة نظر المتهم الثالث، وكشف سلبيات الأداء الحكومي".حرية التعبير
وأوضحت "التمييز" ان "انتقاد القائمين بالعمل العام، وإن كان مريرا، يظل متحققا بالحماية التي كفلها الدستور لحرية التعبير عن الآراء، كذلك فإن الآراء التي يتم بثها في حق أحد ممن يباشرون جانبا من اختصاص الدولة لا يجوز تقييمها منفصلة عما توجبه المصلحة العامة في أعلى درجاتها، وانتهى الحكم الى ان ما تضمنه البث محل الاتهام مجرد سرد لواقعة عامة، وقد التزم المتهمون حدود النقد المباح، وانتفى لديهم القصد الجنائي، وقضى ببراءتهم مما نسب إليهم".واردفت: "وكان القصد الجنائي في جريمة البث المرئي والمسموع الماس بكرامة الأشخاص، لا يتحقق إلا إذا كانت الألفاظ الموجهة الى المجني عليه شائنة بذاتها أو من شأنها المساس بكرامة الأشخاص أو حياتهم أو معتقداتهم الدينية أو إفشاء أسرارهم بما يؤدي الى تجريحهم والإساءة اليهم والحط من كرامتهم، وكان الأصل أن المرجع في تعرف حقيقة الألفاظ والعبارات التي تمس الكرامة هو بما يطمئن اليه قاضي الموضوع من تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة التمييز، مادام لم يخطئ في التطبيق القانوني".مصلحة عامة
ولفتت "التمييز" إلى أنه "في جرائم البث يتعين لبحث الجريمة أو عدم وجودها تقدير مرامي العبارات التي يحاكم عنها المسؤول عن البث وتبين مناحيها، فإذا اشتمل البث على عبارات الغرض منها الدفاع عن مصلحة عامة، وأخرى يكون القصد منها التشهير، فللمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقدير أيهما له الغلبة في نفس المسؤول عن البث". وتابعت: "وكانت محكمة الموضوع في حدود سلطتها التقديرية قد اطمأنت في فهم سائغ لواقعة الدعوى إلى أن العبارات التي وردت بالبرنامج التلفزيوني مثار الاتهام، وإن اشتدت في بعض ألفاظها إلا أنها تعد في حدود النقد المباح، وفي إطار حرية التعبير والرأي، وان المادة التي تم بثها قد جاءت خلوا من أي ألفاظ يشكل بثها أو الإدلاء بها من قبل ضيف البرنامج التلفزيوني ثمة جريمة يحاسب المتهمون عنها".وأضافت: "ومن ثم فإن ما أورده الحكم المطعون فيه -على نحو ما سلف- يكفي لحمل قضائه بالبراءة، ويضحى ما تثيره الطاعنة، النيابة العامة، في هذا الشأن لا يعدو إلا أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الأدلة وفي سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها فيما لا يقبل التحدي به أمام محكمة التمييز".