«حرب كرموز»... العالمية لا تحتاج إلى بويكا
المخرج ميمي تفوق على نفسه وقدم أبطال الفيلم بصورة مختلفة
ربما لو تحدث مخرج عن صناعة فيلم سينمائي تدور أحداثه إبان حقبة الاحتلال الإنكليزي لمصر، ويحقق نجاحاً جماهيرياً لاعتُبر الأمر ضرباً من الخيال، ولو اقتُرح المشروع على منتج لنظر إليه باستخفاف، والأمر هنا لا يتعلق بصعوبة التنفيذ، فمصر تملك الإمكانات التقنية والعنصر البشري القادر على صناعة الفارق، إنما هي معادلة النجاح الجماهيري والمزاج العام الذي يحتاج إلى دراسة متأنية قبل أي خطوة في عصر يتسم بالسرعة، وأجيال منفتحة على ثقافات أخرى وتتابع الطفرة الكبيرة في السينما الأجنبية، لكن المخرج بيتر ميمي استطاع أن يجد ضالته في محمد السبكي، لاسيما أنه منتج مجازف يعتبر من القلائل الذين حافظوا على نشاطهم في وقت كساد السينما المصرية، ليقدما معاً "حرب كرموز" قصة السبكي وسيناريو بيتر.لكن كيف استطاعا صناعة الفارق في هذا الفيلم، وأن يحققا نجاحاً جماهيرياً يعتبر مفاجأة للجميع؟ فالسخاء الإنتاجي لمثل هذه النوعية من الافلام أحد أهم الشروط، وهذا ما اتضح جلياً لكل من شاهد العمل من ناحية الأزياء، التي واكبت تلك الحقبة والمعدات العسكرية والمجاميع البشرية الكبيرة التي وظفها المخرج بمهارة فضلاً عن التصوير بأحدث التقنيات.على مستوى أدوات المخرج، فإن التمثيل هو حجر الزاوية، واستطاع ميمي أن يختار عناصره بعناية بالغة بغض النظر عن حجم كل دور أو مساحة الشخصية، لكن كلاً منهم كان نجماً في موقعه، بدءاً من أمير كرارة، الذي سلك درب الأكشن وأثبت وجوده من خلال تلك النوعية من الأدوار، لاسيما أنه يملك المقومات الجسدية التي تساعده على ذلك، إلا أنني أزعم أن أمير وصل إلى خط النهاية، وعليه أن يسلك درباً آخر يحقق من خلاله ذاته، فاستمراره في أداء شخصية الضابط قد يسقط به في فخ التكرار.
ومروراً بالفنان الشاب محمود حجازي الذي تميز بأداء متزن واستطاع توظيف تعبيرات الوجه بمهارة إلى جانب النجم الكبير محمود حميدة الذي تفوق على نفسه بشخصية مركبة تتمتع بحس الدعابة لتعيد إلى الأذهان دوره المميز في فيلم "شمس الزناتي" مع الفنان عادل إمام.
النجم الإنكليزي
ورغم حضورهم في مشاهد بسيطة فإن كلا منهم ترك بصمته، لاسيما فتحي عبدالوهاب وغادة عبد الرازق وبيومي فؤاد وفؤاد شرف الدين ومصطفى خاطر، كان كل منهم نجماً في الحيز، الذي شغله في العمل، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا لمَ الاستعانة بالنجم الإنكليزي سكوت أدكنز الشهير بـ" بويكا"؟ هل الوصول للعالمية يستدعي أن يتصدر البوستر الدعائي للفيلم ويقاسم أبطاله نجاحاً هو في حقيقة الأمر ليس شريكاً فيه وإنما ضيف شرف في عدد محدود من المشاهد، التي كانت نقطة ضعف في العمل وليست إضافة إليه؟أزعم أنه بعد 100 عام من السينما لا يحتاج المنتج المصري للاستعانة بخدمات نجم أميركي أو إنكليزي أو هندي، وأن الوصول إلى العالمية لن يتم إلا بالإغراق في المحلية والبحث عن مثل هذه القصص، التي يزخر بها التاريخ المصري، هناك أجيال عدة لم تعش فترة الاحتلال الانجليزي وكل ما تعرفه عن الظلم والاضطهاد، الذي تعرض له الشعب المصري مسطور بين دفتي بعض الكتب الدراسية.على مستوى قصة الفيلم، فإن أحداثه تدورخلال فترة اﻷربعينيات من القرن العشرين، حيث تتعرض فتاة للاغتصاب على يد مجموعة من الجنود اﻹنكليز، فيثأر لها ثلاثة شباب مصريين، يموت أحدهم، ويحتجز الجندي الإنكليزي الحي في قسم شرطة كرموز، الذي يرأسه الجنرال يوسف المصري، ويطالب الجنرال آدمز بتسليمه إليه، لكن يوسف يرفض، ويحرك الجنرال الإنكليزي جنوده لمحاصره قسم شرطة كرموز، فيدخل في مواجهة شرسة مع الجنرال يوسف وبقية الجنود المصريين.قصة الفيلم
القصة عموماً تعلي قيمة الانتماء والإيثار والتضحية في سبيل الوطن دفاعاً عن الأرض والعرض، والعديد من المشاهد عززت هذا المفهوم وعكست حجم التضحية حتى بالأنفس في سبيل دفاع الإنسان عن كرامته، واستطاع الكاتب أن يختزل قصصاً عدة ومعاناة نماذج مختلفة وشرائح من المجتمع المصري حينها بحوارات بسيطة قد لا تتجاوز الدقيقة بحرفية عالية، لكن على المستوى الدرامي ثمة مشكلات عدة، ربما السبب في ذلك أن الفيلم ذهب إلى منطقة منسية تاريخياً وليست حاضرة على طاولة اهتمامات صناع السينما أو الدراما، فشاب العمل قصور في معالجة بعض الخطوط الدرامية مثل استخدام الضابط الإنكليزي كأداة لإجبار القوات المحيطة بمركز الشرطة على وقف إطلاق النار ثم التخلي عن هذه الفكرة وتسليم أمير كرارة نفسه للإنكليز، بينما كان مشهد النهاية الحلقة الأضعف عندما بلغت الأحداث ذروتها، ويجد المشاهد نفسه أمام مشهد محاكمة صورية للضابط يوسف المصري.