كما قرأت أو شاهدت عملاً فنياً أجنبياً يستحضر واحدة من قصص "ألف ليلة وليلة"، أو أي قصة من قصص التراث العربي يستيقظ بي السؤال: لماذا استطاع ويستطيع الكاتب والفنان الغربي أو الأجنبي، وهو البعيد عن بيئة ولغة وعوالم وتاريخ ومعتقدات البلاد العربية والإسلامية، أن يتفاعل ويستنبط ويبدع أعمالاً فنية معاصرة وباهرة، بينما يقف الكاتب والفنان العربي متفرجاً، وإن قدّم شيئاً يكون عارضاً ما يلبث أن يختفي؟! مسرحية "علاء الدين-Aladdin"، التي تُعرض حالياً على "مسرح الأمير إدوارد-Prince Edward Theatre" واحدة من العروض الموسيقية التي تحفل بها المسارح اللندنية، وتحظى بإقبال جمهور كبير من مختلف دول العالم، وتستمر في عروضها سنوات وسنوات.
المسرحية تُعد نموذجاً حياً باستحضار قصة "علاء الدين والمصباح السحري" وتقديمها بشكل موسيقي، حيث يصاحب عزف فرقة موسيقية حي غناء الممثلين بتناغم ودقة وفنية عاليتين. ما يلفت النظر في المسرحية هو بساطة حدث وحبكة العرض اللذان يصلان إلى حد السطحية الساذجة، واعتمادها على الأداء الموسيقي للفرقة الموسيقية والممثلين والأزياء ولا شيء غيره. صحيح أن إبداع جميع العروض الموسيقية في لندن يقوم على "السينوغرافيا"، حيث الديكور المتحرك الباهر، وما يصاحبه من إضاءة وسط التشكيلات الموسيقية الراقصة والملوّنة لعدد كبير من الراقصين، مما يضع المتفرج في لحظات إثارة مدهِشة، وبالتالي لا يتجاوز العرض في مجمله أكثر من مشاهد غنائية راقصة، وسط ديكور متحرك وإضاءة ساحرة، وهذا ما يثير السؤال الواجب: إذا كان هذا هو لب العمل المسرحي/ الفرجة فلم يبتعد المسرح العربي، الرسمي والأهلي، عن العروض التراثية بثوبها الموسيقي الإنساني؟ لماذا يبتعد: الكاتب المنتج والمخرج والفرقة والممثل عن إنجاز هكذا عرض؟ كلي ثقة بقدرات المبدع المسرحي العربي، وتعطش الجمهور العربي في مختلف الأقطار العربية لأعمال تراثية مبدعة بثوب ورؤية عصريتين، خصوصاً أن هذه العروض بعيدة عن التوجهات السياسية المباشرة، وبالتالي لن تلفت نظر السلطة السياسية وتضايقها، ولن تعترض عليها أي سلطة أو تقف في طريقها.ما يلزم التنويه إليه والوقوف عنده هو أن ظرف الحياة في العالم والوطن العربي قد تغيّر، مما يلزم تغيّر نظرة الفنان وتعامله مع العمل المسرحي ووصله بالجمهور بطريقة عصرية جديدة. ولأني أعرف ولع واهتمام واعتزاز ودعم وانشغال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة بالمسرح العربي والمسرحيين، فإنني أتمنى على سموه جمع المسرحيين العرب حول عمل تراثي عربي إنساني النزعة يتم انتقاؤه ودراسته بشكل فني مبدع وعصري، ومن ثم مشاركة مجموعة مبدعة من المسرحين العرب لتنفيذه بطريقة تحاكي العروض المسرحية العالمية، وتمكّنه من محاكاة هموم ورتم وذوق الإنسان واللحظة الإنسانية العابرة، وتقديم وجه مشرق للمسرح العربي وللفن والإنسان العربيين، ويكون هذا العرض سفيراً للمسرح العربي ولجمهور المسرح حول العالم. ومؤكد ستفتح المسارح العربية أبوابها مرحبة بهذا العمل، وبما يتيح الفرصة لجمهور المسرح العربي في مختلف الأقطار العربية للتمتع بهذا العمل قبل غيره.هكذا عمل مسرحي عربي متحرك يستنطق تراثنا بشكل فني وعصري آسرين، ويوفر متعة مسرحية فنية عالية القيمة بشكلها ومضمونها، ويكون مترجماً للغات العالم الحية، وسيشكل علامة لافتة في مسيرة المسرح العربي، كما سيجعل جمهور المسرح حول العالم ينظر إلينا باحترام لكوننا نساهم في المشهد المسرحي العالمي، ولا نكتفي بأن نكون مشاهدين عابرين نتفرج على مشاهد تراثنا في عواصم العالم!إن عملاً مسرحياً مبدعاً يُراد له أن يكون تراثياً عربياً عالمياً فنياً إنساني النزعة يتوافر على فرجة مُدهِشة، وفي ظل أوضاع أقطار الوطن العربي المؤلمة، لا يمكن إنجازه إلا أن يكون خلفه تشجيع ودعم كبيرا الهمّة بحجم اهتمام واعتزاز صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي بالتراث والمسرح العربي، ومنا لسموه أمنية غالية، في زمن عربي موحش.
توابل - ثقافات
صاحب السمو سلطان القاسمي أمنية مسرح!
08-08-2018