صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، من ضغوطه على إيران بهدف "تغيير سلوكها"، وقال إن أي جهة تقوم بأعمال تجارية مع طهران لن يُسمح لها بالقيام بأعمال تجارية مع الولايات المتحدة، مما سيجعل مئات الشركات، خصوصاً الأوروبية، تحجم عن التعامل مع إيران، وعدم المراهنة بخسارة السوق الأميركي العملاق، الذي لا يقاس بأي شكل مع حجم السوق الإيراني المتواضع. وكتب ترامب على حسابه على موقع "تويتر" :"أي جهة تقوم بأعمال تجارية مع إيران لن تدخل في أعمال مع الولايات المتحدة".
جاءت تغريدة ترامب الحازمة، بعد ساعات على دخول الحزمة الأولى من العقوبات، التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على إيران حيز التنفيذ في ساعة مبكرة من فجر أمس.وكتب ترامب:"عقوبات إيران بدأت رسمياً. هذه هي العقوبات الأقوى على الإطلاق، وفي نوفمبر ستتم زيادتها إلى مستوى آخر من القوة". وأضاف: "أسعى إلى السلام العالمي ولا شيء أقل من ذلك".وبدا هذا التحذير موجهاً خصوصاً أولاً، الى الاتحاد الأوروبي الذي أبدى أسفه لمعاودة فرض العقوبات، وأكد "تصميمه على حماية الجهات الاقتصادية الأوروبية النشيطة في أعمال مشروعة مع إيران معلناً دخول آلية قانونية خاصة بهذا الصدد حيز التنفيذ، وثانياً إلى تركيا التي كانت تبين أنها كانت أحد المساعدين الرئيسيين لطهران للالتفاف على العقوبات السابقة قبل توقيع الاتفاق النووي.وكان الرئيس الأميركي قد وقع، أمس الأول، قراراً رسمياً بإعادة فرض العقوبات على إيران، بعد انسحابه من الاتفاق النووي الدولي الموقع معها، لكنه أبقى دعوته إلى التفاوض مفتوحة. وأعلن في بيان أن "على النظام الإيراني الاختيار. فإما يغير سلوكه المزعزع للاستقرار ويندمج مجدداً في الاقتصاد العالمي، وإما يمضي قدماً في مسار من العزلة الاقتصادية". لكن ترامب أبدى في المقابل "انفتاحه" على "اتفاق أكثر شمولاً يتعاطى مع مجمل أنشطة النظام الإيراني الضارة، بما فيها برنامجه الباليستي ودعمه للإرهاب".وفي كلمة وجهها إلى الشعب قبل ساعات من إعادة فرض العقوبات الأميركية الشديدة، اتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني واشنطن بـ"شن حرب نفسية على الأمة الإيرانية وإثارة انقسامات في صفوف الشعب".وقال روحاني، "إذا كنت عدواً وطعنت شخصاً بسكين لتقول بعدها إنك تريد التفاوض، فأول ما عليك فعله هو سحب السكين". وأكد أن بلاده "لطالما رحّبت بالمفاوضات"، لكن على واشنطن أن تثبت أولاً حسن نواياها. وتابع "كيف يبرهنون أنهم جديرون بالثقة؟ بالعودة إلى الاتفاق النووي".وتشمل الحزمة الأولى من العقوبات عدة مجالات، من بينها النظام المالي الإيراني ومشتريات الحكومة الإيرانية من الدولار الأميركي وتجارة الذهب ومبيعات السندات الحكومية.كما سيتأثر قطاع السيارات وصادرات السجاد والمواد الغذائية، وكذلك الواردات الإيرانية من الغرافيت والألمنيوم والصلب والفحم وبعض البرمجيات.وفي نوفمبر، ستعود العقوبات المفروضة على قطاع الطاقة، إذ تعمل الولايات المتحدة على دفع دول حول العالم لتقليص وارداتها النفطية من إيران من أجل الضغط على طهران.
100 شركة
وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية، إن أكثر من 100 شركة عالمية وافقت على مغادرة السوق الإيرانية مع بدء سريان العقوبات.وأمس، أعلنت مجموعة "دايملر" الألمانية لصناعة السيارات وقف أنشطتها التجارية في إيران. وتضع خطوة "ديملر" حداً مفاجئاً لخططها الهادفة إلى التوسع في إيران، إذ وقعت اتفاق تعاون مع شركتين محليتين لتجميع شاحنات مرسيدس بنز.في المقابل، أعلنت المجموعة النفطية الفرنسية "توتال" وشركة "بي إس آ" لصناعة السيارات (بيجو-سيتروان) أنهما ستنسحبان على الأرجح من إيران.النفط يرتقع
وارتفعت أسعار النفط، أمس، مع إعادة فرض الولايات المتحدة عقوبات على إيران، أحد كبار مصدري الخام، مما يقلص المعروض في الأسواق العالمية. وبحلول الساعة 06:24 بتوقيت غرينيتش، بلغ خام القياس العالمي مزيج "برنت" 74.08 دولاراً للبرميل، بارتفاع نسبته 0.4 في المئة عن الإغلاق السابق، في حين صعد خام "غرب تكساس الوسيط" الأميركي بنسبة 0.3 في المئة إلى 69.21 دولاراً للبرميل.وقال بنك "سوسيتيه جنرال" الفرنسي، إن هناك معروضاً كافياً في أسواق الخام الحاضرة حالياً، لكنه أشار إلى أن العقوبات على إيران التي صدرت في يوليو نحو 3 ملايين برميل يومياً "ستخرج إمدادات إضافية قدرها مليون برميل يومياً من الأسواق". وأضاف أن هذا لن يترك للأسواق طاقة إنتاجية فائضة تذكر لمواجهة أي حالات تعطل مفاجئة للإمدادات.تظاهرات
وتشهد عدة مدن إيرانية منذ الأسبوع الماضي تظاهرات متفرقة وإضرابات، ما يعكس استياء حيال الوضع الاقتصادي المتدهور وامتعاضاً من الطبقة السياسية، وأيضاً احتجاجاً على ارتفاع الأسعار والنقص في المياه نتيجة الجفاف.ويصب الإيرانيون غضبهم هذه المرة على قادتهم باعتبارهم فشلوا في إيجاد حل.وقالت ياسامان، وهي مصورة تبلغ من العمر 31 عاماً، في طهران صباح أمس: "ترتفع الأسعار منذ ثلاثة أو أربعة أشهر وكل حاجياتنا باتت باهظة الثمن، كل ذلك حتى قبل عودة العقوبات". وهي ترى كغيرها في العاصمة الإيرانية أن قادة إيران "سيضطرون إلى تجرع كأس السم في نهاية المطاف" والتفاوض مجدداً مع الولايات المتحدة.وإزاء انهيار العملة الوطنية وموجة الاحتجاجات الاجتماعية، أعلنت الحكومة الإيرانية سياسات جديدة تتعلق بصرف العملات الأجنبية تسمح باستيراد غير محدود وبدون ضرائب للعملات والذهب وإعادة فتح مكاتب صرف العملات التي أغلقت في أبريل خلال محاولة كارثية لتثبيت سعر صرف الريال تسببت بمضاربات واسعة النطاق في السوق السوداء.«أوبك»
واتهم مندوب إيران في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، حسين قاسم بور أردبيلي، روسيا، بدعم ما أسماه "الحصار الأميركي" على بلاده. ونقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية (اسنا)، عن أردبيلي قوله، إن روسيا والسعودية، تدعمان الحصار الأميركي على إيران، من خلال زيادة إنتاج النفط اليومي.واعتبر أن "روسيا بهذا الطريقة، تحركت بشكل مخالف لاتفاقية تخفيض إنتاج النفط العالمي". وأضاف أن "القرار الذي اتخذته روسيا، يهدد مستوى التعاون العالي بين الدول المنتجة للنفط".واتهم أردبيلي، موسكو بالتصرف لمصلحة ترامب، ووصف الموقف الروسي والسعودي بـ "المعادي".موسكو
وفي وقت لاحق، قالت الخارجية الروسية في بيان، "نشعر بخيبة أمل شديدة إثر قرار الولايات المتحدة إعادة العمل بعقوباتها الوطنية على إيران" مؤكدة أن موسكو "ستقوم بكل ما يلزم" لحماية الاتفاق النووي وعلاقاتها الاقتصادية مع إيران.إسرائيل تهنئ ودمشق تنتقد
هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة فرض العقوبات، معتبراً أن «هذا يرمز إلى عزم على كبح عدوان إيران الاقليمي ونيتها امتلاك السلاح النووي». أما في دمشق، فقد دان النظام السوري إعادة فرض العقوبات على حليفته واعتبر أنها «غير مشروعة».