افتتحت الكاتبة ضحى عبد الرؤوف الملّ الاحتفال بتكريم الروائية الليبية نجوى بن شتوان بكلمة اعتبرت فيها أن التاريخ العربي بثقافته هو الإرث العربي والإنساني ولا حواجز إزاء الفكر العربي، فالكتاب يتحرَّك ضمن جغرافيا واسعة، «لكن من الضروري تعزيز المشتركات مع الأدباء العرب وتبادل التجارب وتعزيز العلاقات المهنية، رغم أن هذه الأمور برمتها لن تغير من خصوصية كل مفكر وكاتب بل ومن فلسفته كمنظور فكري وأدبي».

أضافت: «صحيح أن الواقع العربي مشتت حالياً، لكن من منظور موضوعي، الأدب العربي يتقدَّم لا يتراجع والشخصية الأدبية العربية غالبة الحضور في الوجدان الجمعي للأمة العربية، والضمير الذاتي للأدب العربي واحد»...

Ad

محمود عثمان: جرأة في الطرح

رأى الدكتور محمود عثمان في كلمته أن «الروائية الليبية نجوى بن شتوان تمتلك حساً شعرياً، فأسلوبها لا يخلو من الشرقطات والصور الساحرة. إنها تمنح روايتها مقداراً معيناً من الجمالية يضفي على السرد نكهة خاصة، تماماً كما تمنح رشة الملح الطعام مذاقاً مميزاً. بشيء من الوصف الطازج، والإشارات أحياناً، والفصول القصيرة ذات العناوين المنتقاة بعناية، تنقذ روايتها من الرتابة والتكرار. كذلك تحشد الكاتبة قاموساً معجمياً غنياً ينمّ عن قدرة لغوية. إننا إزاء ملحمة تدور أحداثها خلف سور يفصل بين مجتمعين وطبقتين: الأسياد والعبيد، فلا بد من أن تعلق في أذهاننا هذه المفردات العناصر التي تكوّن طريقة عيش فئة من الناس المنبوذين في زريبة خلف السوّر»...

أضاف: «تتميز هذه الرواية بالجرأة، بوصفهاً كشفاً عما يتوارى فينا، وفضحاً لهواجس وعقد نفسية واجتماعية، وما يدور في «العالم السفلي» للأهواء والرغبات المكبوتة، وما يطفو على السطح من عادات وتقاليد تكرّس العنصرية والتمييز في أبهى صورة».

تابع: «إذا كانت الرواية بمفهوم ما محاولة من أجل فهم الآخرين، فإن الكاتبة لم تقدم لنا سوى تقرير عن نفسها، وما رسب في وعيها ولا وعيها من عبثية المغامرة الإنسانية، القائمة على الظلم والجشع والاستغلال والكفاح المحكوم بالهزيمة. وربما أثارت لديّ مشاعر الاشمئزاز من تصرّفات تشكّل إهانة للكرامة الإنسانية، واعتداء على نقاء الطفولة وتلوثاً لبراءتها. وهي إذ تصوّر استغلال السيّد الأبيض للخادمة السوداء، فإنها بتواطؤ خفي ترسم جمالية العلاقة بما تنطوي على متعة من تزاوج الألوان وتمازج الطباع والجينات. ولم تؤدِّ النتيجة البائسة لهذه العلاقات غير المتكافئة، إلا إلى ترسيخ الشعور بالدونية والتمايز وعقدة الانتماء الباحث عن شرعية، لا يكفي لإثباتها لون البشرة أو العينين».

ختم: «محاولة الشخصيات الرئيسة أن ترسم لنفسها مساراً يستند إلى رغباتها وأحلامها، معاكساً إرادة الأقدار، يمثّل نقطة الصراع الإشكالي في هذا النص الروائي. وفي هذا التضارب بين القدر الملازم للإنسان في وعيه الذي يتفادى الأفعال التي يقدم عليها، تنبع روح المأساة».

غسان الديري: فن النقد الاجتماعي

رحّب الروائي غسان الديري بالروائية الليبية نجوى بن شتوان وقال: «اليومَ تجيءُ لبنانَ وطرابلسَ أديبةٌ مرموقةٌ لها قدمٌ راسخةٌ في ميدانِ العمل الروائي وفي مجال الفن القصصي والمسرح، وهي تنوءُ تحت جوائزَ حازتها لجليلِ أعمالها المتميّزة. فروايتها «وبرُ الأحصنة» حازت جائزة مهرجان البجراوية الأول للخرطوم عاصمة للثقافة العربية في العام 2005، إلى جائزة مؤسسة فيستيفال لأفضل 39 كاتباً عربياً للعام 2009، إلى بلوغها مرحلة التصفيات لجائزة «كتارا» للرواية العربية للعام 2015، وإلى حيازتها الجائزة الثالثة في مهرجان الشارقة للإبداع العربي، في دورته 2002، عن مسرحية «المعطف». وفي إطار إبداعها الروائي، فإن روايتها «زرايب العبيد» الصادرة عن دار الساقي في العام 2016، تمثل ذروة ذلك الإبداع».

أضاف: «هذه الرواية التي تستعرض، عبر سردٍ روائي أخّاذ، تاريخ العبودية في ليبيا، إبَّان الحقبة العثمانية، تُسلّط الضوء ساطعاً على المسكوت عنه، من التاريخ الليبي الأسود. وبذا، فإنها تندرج تحت فن النقد الاجتماعي والنقد السياسي، إذْ راحت الكاتبة تُعرّي النظام القائم على التمييز العنصري، كما التمييز الطبقي... ولا ريب أن أديبَتَنا تُقارب موضوعها من موقع عشقها الحرية، وتشبّثها بالعدالة، ونبذ الظلم والقهر، بل الانحياز إلى إنسانية الإنسان».

تابع: «تطرح الرواية على البشرية سؤالاً إشكالياً، على درجة كبيرة من الأهمية، مُندرجاً تحت الآتي: لِمَ البيضُ هم السادةُ والسودُ هم العبيد؟ لِمَ البيضُ هم الأرفعُ درجةً، والسودُ هم الأدنى بدرجات؟ لعل هذه الرواية تُريد أن تُعلنَ من وراء حجاب أنْ ليس من إنسانٍ حُرّ، على كوكبنا... الجميع مسجون، وإن اختلف السّجانون والمسجونون وتباينت أشكالُ السجون».

نجوى بن شتوان

بدورها تحدثت الروائية نجوى بن شتوان عن علاقتها بلبنان من حيث التكوين الثقافي وتأثير ذلك في مزاجيتها وتكوينها الثقافي والذهني، وعن علاقتها بالرحابنة في فترة الطفولة، وتأثيرهم الواضح في معجمها اللغوي، وتأثير جبران وشعراء المهجر.

كذلك تكلمت عن تجربتها بالنشر في لبنان وانطلاقتها الأولى والحالية، وعن تأثيرات إذاعة «مونتي كارلو» في المهجر، وهي وجه آخر عن أدب المهجر وثقافة المهجر يختلف عن الكتب، كان يديرها لبنانيون في فترة الثمانينيات، أيضاً عن تجربتها في البدايات حين كتبت باسم مستعار في مجلة «الكفاح العربي» في لبنان.

بعد ذلك دار بينها وبين الحضور نقاش واسع حول تجربتها الروائية... ثم صدح صوت رفيف دندشي وهي تغني فيروز بصحبة المايسترو خالد النجار.

في ختام الاحتفال قدمت الكاتبة رندة صادق لنجوى بن شتوان درعاً تكريمية باسم قطاع المرأة في «تيار العزم»، كذلك قدَّم لها رئيس الرابطة الثقافية رامز فري درعاً تكريمية.