حرب ترامب الاقتصادية!
السؤال الذي يفرض نفسه بقوة على الساحة الدولية هو مدى نجاح الحرب الاقتصادية التي أعلنها الرئيس الأميركي على إيران، وردود الأفعال المحتملة من جراء هذه السياسة الجديدة بما فيها الصدام العسكري.يبدو أن دونالد ترامب استوعب الدرس بشكل سريع من أسلافه بعدم جدوى العمليات العسكرية التي لم تجلب للولايات المتحدة سوى الهزائم المتكررة، بدءاً بالحرب الكورية قبل نصف قرن وانتهاء بالعراق، كما أن المؤسسة العسكرية الأميركية ما زالت صامدة ضد أي حرب قد يعلنها الرئيس، ولذلك نجده يكتفي بالتهديد باستخدام القوة بشكل مبالغ، ولكنه ينتهي إلى طلب الحوار القسري، وهذا ما لم يفعله ترامب مع كوريا الشمالية فقط، بل حتى مع أوروبا واليابان وكندا والصين، ويريد أن يضيف إيران إلى القائمة، وإن كان بشكل أكثر قسوة.ترامب الذي يؤمن بالقطبية الأحادية للولايات المتحدة كقوة عالمية آمرة ناهية لا يريدها القوة العسكرية التي فشلت فيها الإدارات الأميركية، إنما القوة الاقتصادية، مستفيداً بذلك من تجربته كرجل أعمال حقق المليارات بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية.
السؤال الذي حير الكثير واعتبروه تناقضاً في سلوك الرئيس الأميركي، حيث انتقل بين ليلة وضحاها من تهديد بضرب إيران بما لم يشهده أحد من قبل إلى التفاوض دون شروط مع إبقاء سيف العقوبات مصلتاً على رقاب الإيرانيين. لعل جزءاً كبيراً من هذه الإجابة يكمن في الانتخابات الفصلية للكونغرس الأميركي، التي يخشى ترامب أن يفوز فيها الديمقراطيون، الأمر الذي قد يعني نهايته السياسية، حيث يملك الحزب المعارض الأغلبية لعزله، ولكن بضمان فوز الجمهوريين فإنه سيتحرر من كابوس المساءلة كما يتقدم خطوات نحو ولاية ثانية ليعلن انتصار نظريته السياسية بأن أميركا يجب ألا تحكم بالمؤسسات السياسية البالية إنما بالمال والاقتصاد تحت الشعار الشعبوي "الأميركي أولاً".لذلك فإن الرئيس بدأ بجرعة عقوبات قد تكون شديدة لكنها ليست شاملة، وترك المجال لاختبار إيران والدول التي تتعامل معها مالياً وتجارياً، حيث أرجأ العقوبات الكبرى لشهر نوفمبر منتظراً نتائج انتخابات الكونغرس.عقيدة ترامب تحمل تجربة جديدة وإن كانت تحمل مخاطر كبيرة، ففي حال فشل العقوبات ونجاح إيران في الالتفاف تعتبر ضربة قاصمة موجهة له، في حين إذا نجح في جر الإيرانيين إلى الحوار فيعني ذلك بالتأكيد بدء عهد الهيمنة القطبية الأحادية، ونسف كل الجهود الدولية نحو تحرير التجارة وخلق أرضية للعولمة في بعدها الاقتصادي على مدى نصف قرن من الزمن، وعندها ستبدأ حقبة جديدة من السياسات الحمائية وبروز الأحلاف والتكتلات المتصارعة.حلفاء الولايات المتحدة كأوروبا وخصومها كالصين وروسيا اشتركت في إفشال محاولة جورج بوش الابن في فرض القطبية الأحادية بنموذجها العسكري، فغرقت واشنطن في دول صغيرة مثل أفغانستان والعراق، فهل تكرر بنية النظام الدولي مواجهة القطب الاقتصادي الواحد انطلاقاً من مبدأ الاقتصاد يتبع السياسة أم ترضخ وفقاً لنظرية السياسة تتبع الاقتصاد؟!