وجهة نظر : إلى مزيد من الاحتباس الحراري
تقدمت الإدارة الأميركية هذا الأسبوع بمقترح يقلل من معايير الاقتصاد في استهلاك وقود المركبات. ويأتي هذا المقترح إثر سعي حثيث من قبل عدد من منتجي النفط في الولايات المتحدة للتخفيف من هذه المعايير الرامية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن حرق هذا الوقود. ويشكِّل هذا المقترح خطوة رئيسة، على المسار الذي اختاره البيت الأبيض في يونيو 2017، بإعلانه انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس بشأن التغير المناخي، المعروف باسم "كوب 21"، والذي تم التوقيع عليه في نوفمبر 2016.
فاتورة باهظة
وتشير التقديرات الحكومية الأميركية إلى أن هذا المقترح سيؤدي إلى زيادة استهلاك الولايات المتحدة من النفط بنحو نصف مليون برميل يوميا بحلول سنة 2030. كما تقدر إحدى الدراسات أن ذلك سيكلف المستهلك الأميركي ما بين 195 و236 مليار دولار إضافية من الآن إلى سنة 2035، بسبب دفع فاتورة أعلى للوقود. ومن شأن المعايير الجديدة المقترحة أن تزيد من مستوى انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الغالون الواحد من وقود المركبات بنحو 30 في المئة، مقارنة مع مستوى الانبعاثات الذي كانت وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة اقترحت تحققه بحلول سنة 2020. وتبرر الإدارة الأميركية هذا المقترح، الذي يؤدي في حال تفعيله إلى هذه التداعيات البيئية المؤثرة، بأن المعايير المتشددة للاقتصاد في الوقود التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة - إدارة أوباما - كانت بسبب اعتماد الولايات المتحدة الشديد حينذاك على وارداتها من النفط والبنزين من الخارج، لكن إنتاج وصادرات الولايات المتحدة من النفط الخام ومنتجاته زادت بمعدلات كبيرة منذ ذلك الحين، وأن الولايات المتحدة الآن في طريقها لكي تصبح أكبر منتج للنفط في العالم، متقدمة على السعودية وروسيا.عواقب وتبعات ثقيلة
ومن الواضح أن هذا التبرير يغفل الإشارة إلى السبب الجوهري، أي التغير المناخي، الذي يستدعي فرض معايير الاقتصاد في استهلاك وقود المركبات، والذي لم يعد موضع جدل أو خلاف، لا بين المختصين ولا غيرهم. وهذا تغافل ينذر بعواقب وتبعات ثقيلة، إذ إن تخلي الولايات المتحدة بثقلها الاستراتيجي والاقتصادي الدولي، وهي ثاني دولة في حجم انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، قد يعني أن أهداف اتفاق باريس باتت صعبة المنال. الداعمون للمعايير الجديدة من رواد الصناعة النفطية وصانعي السيارات يرفعون راية السوق الحرة، ويزعمون أن تخفيف القيود البيئية من شأنه أن يتيح للمستهلكين خيارات أكبر، وأن المستهلك رشيد وقادر عند شرائه لسيارته على أن يوازن بين مختلف الخصائص والتبعات، سواء أكان ذلك متعلقا بحجم المركبة، أم قوة الدفع، أم الاقتصاد في استهلاك الوقود، وأن واشنطن لا يمكن أن تتخذ القرارات نيابة عن المستهلكين في سوق حرة.فرص نفاذ محدودة
وفي مواجهة تداعيات التغير المناخي العالمي، لا تقل هذه المبررات ضعفا عن مبررات الإدارة الأميركية، ولعل ذلك هو ما دفع عددا من كبريات شركات النفط الأميركية إلى أن تنأى بنفسها عن الدعم العلني لمقترح تخفيف معايير الاقتصاد في وقود المركبات، بل إن "إكسون – موبيل"، أكبر هذه الشركات، قالت إنها حثت الإدارة الأميركية على مواصلة الالتزام باتفاق باريس.ويبدو أن الإدارة الأميركية راغبة في تسويق هذا المقترح تشريعيا قبل انتخابات نصف المدة البرلمانية التي قد تأتي بأغلبية ديمقراطية إلى الكونغرس تعارض هذا التوجه الذي ترى فيه أثرا سلبيا صافيا على المستهلك في نهاية المطاف. ولكن حتى إذا لم تأتِ تلك الأغلبية الديمقراطية، فلن تتمكن الإدارة الأميركية من تفعيل مقترحها قبل نوفمبر 2020، لأن اتفاق باريس لا يتيح لأي دولة التنصل من التزاماتها قبل مرور 4 سنوات على توقيع الاتفاق، ويتطابق ذلك التاريخ مع موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ولا أحد بإمكانه أن يتكهن بما ستسفر عنه تلك الانتخابات.