لماذا انقلب المستثمرون على الرئيس التركي؟
تجيب «فاينانشيال تايمز» عن مجموعة من الأسئلة المنطقية التي أثارتها التغيرات الأخيرة حول سبب هذا التراجع الحاد والضغوط، وماذا ستكون العواقب جراء تدهور قيمة العملة المحلية التركية، وهل هناك عوامل خارجية تؤثر حقاً على اقتصاد تركيا أم لا.
نذر وإشارات الخطر تواصلت بالنسبة للاقتصاد التركي الأيام القليلة الماضية، في ظل الخلاف الدائر بين أنقرة وواشنطن واستخدام الأخيرة لسلاح العقوبات ضد الأولى لعدم إفراجها عن القس الأميركي أندرو برونسون المتهم بالجاسوسية. وواصلت الليرة تراجعها إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، معمقة خسائرها أمام الدولار هذا العام إلى أكثر من 27 في المئة. ليس ذلك فحسب، إذ تجاوزت تركيا الأرجنتين وأصبحت السوق الأسوأ أداءً للسندات المقومة بالعملة المحلية في العالم.وفي التقرير التالي، تجيب «فاينانشيال تايمز» عن مجموعة من الأسئلة المنطقية التي أثارتها التغيرات الأخيرة حول سبب هذا التراجع الحاد والضغوط، وماذا ستكون العواقب جراء تدهور قيمة العملة المحلية للبلاد، وهل هناك عوامل خارجية تؤثر حقاً على اقتصاد البلاد أم لا.
ما سر هذه المعاناة؟
- من الصعب النظر إلى ما يرمي إليه رجب طيب إردوغان مؤسس حزب العدالة والتنمية، الذي تصدر المشهد مع الألفية الجديدة. أصبح إردوغان رئيساً للوزراء في 2003، ثم رئيساً للجمهورية منذ 2014، وساعدته السياسات المحافظة الداعمة للنشاط التجاري في انتشال البلاد من أزمة اقتصادية.- بعيداً عن الأزمة المالية في 2008- 2009، نما اقتصاد البلاد تحت حكم إردوغان بمتوسط بلغ 7 في المئة سنوياً وفقاً لصندوق النقد الدولي، وتزامن هذا التوسع مع ظهور مجموعة من رواد الأعمال الشباب، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي للبلاد بين أوروبا وآسيا، وهو ما شكل نقطة جذب للمستثمرين الأجانب.- ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد إلى أكثر من 22 مليار دولار عام 2007 وبلغ متوسطه 13 ملياراً منذ تولي إردوغان السلطة، مقارنة بعشرات أو مئات الملايين من الدولارات سنوياً قبل صعوده إلى سدة الحكم، وفقاً لبيانات البنك الدولي.- تباطأ الاستثمار الأجنبي المباشر منذ بدء الهجمات الإرهابية في البلاد عام 2015، ثم محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو 2016 التي أدخلت البلاد في حالة من الاضطراب.- تفاقمت مشاكل تركيا بسبب قيادته المنفردة للبلاد وآرائه غير التقليدية بشأن أسعار الفائدة، التي وصفها بأنها أم وأب لكل الشرور، وهو ما سبب انزعاجاً للبنك المركزي الذي يكافح من أجل احتواء التضخم المقترب من 16 في المئة، وفشلت محاولات صانعي السياسات لوقف تراجع الليرة.ما الذي أثار قلق المستثمرين؟
- كانت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في يونيو لحظة مهمة جداً، وأدت وعود الإنفاق، التي أطلقت لحشد الدعم الشعبي إلى تقويض سمعة حزب العدالة والتنمية في الانضباط المالي وسعيه وراء تخفيف التضخم.- لكن المستثمرين كانوا أكثر انزعاجاً عندما هاجم إردوغان رفع أسعار الفائدة مجدداً أمام جمع من رجال الأعمال في لندن خلال مايو الماضي، قائلاً، إن المعدلات المرتفعة تزيد من التضخم ولا تعالجه.- بعد إعادة انتخابه في يونيو أعطى نفسه السلطة الكاملة في تعيين محافظ البنك المركزي، واعتُبر تعيين صهره وزيراً للمالية بمنزلة تشديد لقبضته على السلطة.- أصر محافظ البنك المركزي مراد ستينكايا في أواخر يوليو على أن المصرف يعمل دون أي تدخلات أو ضغوط سياسية، لكن بالنسبة للعديد من المستثمرين فإن قراره بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير الشهر الماضي قود هذا الزعم.هل هناك عوامل ضغط خارجية؟
- منذ فترة طويلة تتعرض الليرة لضغوط بسبب حاجة البلاد إلى تمويل عجز الحساب الجاري البالغ 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذه الضغوط تزايدت خلال الأسابيع مع توتر العلاقات مع الولايات المتحدة.- هبط مؤشر الأسهم الرئيسي في البلاد «بيست 100» بنسبة 3 في المئة تقريباً خلال الثاني من أغسطس بعد يوم من فرض الولايات المتحدة عقوبات مالية على وزيرين تركيين، في إطار قضية القس المقبوض عليه في تركيا.- يقول المحلل لدى «بلو باي أسيت مانجمنت» تيم آش، إنه على الرغم من أن التأثير المباشر للعقوبات كان محدوداً إلى حد كبير حتى الآن، لكن مع اقتراب الاقتصاد التركي من المنعطف الحرج تتبادر إلى الأذهان القشة التي قصمت ظهر البعير. - كما كان سعر النفط الذي ارتفع بأكثر من 40 في المئة على مدى الاثني عشر شهراً الماضية، عائقاً في الوقت الذي تعد فيه تركيا مستورداً صافياً كبيراً للخام.ما عواقب انحدار قيمة الليرة؟
- أثبتت الأيام أن هبوط الليرة كان مؤلماً جداً بالنسبة للشركات التركية التي لديها التزامات وخدمة ديون بالدولار واليورو. وفقاً لتحليل أجراه مصرف «إتش إس بي سي»، فإن البنوك والشركات التركية لديها ما يقرب من 70 مليار دولار من الديون الواجب سدادها من الآن وحتى مايو 2019.- حذرت وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني من أن الشركات التركية المضطربة قد تكون أقل قدرة على دفع التزاماتها، مما يترك البنوك مثقلة بالقروض المعدومة.- أسقط المستثمرون بالفعل البنوك من حساباتهم، وهبط مؤشر «بورصة إسطنبول» للبنوك بنسبة 33 في المئة هذا العام، مقارنة بتراجع نسبته 18 في المئة فقط لسوق الأسهم التركي.- في حين كان المستثمرون الأجانب يشترون الأسهم التركية خلال العالم الماضي، فإنهم سحبوا 771 مليون دولار من السوق خلال الربع الأول لعام 2018، وفقاً للبيانات الرسمية.الليرة التركية تتجاهل المفاوضات لتهوي مجدداً
تراجعت الليرة التركية إلى مستوى قياسي جديد مقابل الدولار أمس، حيث هبطت 2.5 في المئة عن مستوى إغلاق أمس الأول، بعدما اجتمع وفد تركي مع مسؤولين أميركيين، سعيا لحل الخلافات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي.وفي 07:30 بتوقيت غرينتش، بلغت العملة التركية 5.4150 ليرة للدولار، بعدما سجلت مستوى متدنيا قياسيا عند 5.44 ليرة.وفقدت الليرة نحو ثلث قيمتها منذ بداية العام الحالي، بفعل مخاوف من إحكام الرئيس رجب طيب إردوغان سيطرته على السياسة النقدية، إلى جانب الخلاف المتصاعد بين تركيا والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة.والتقى وفد تركي مع مسؤولين من وزارتي الخارجية والخزانة الأميركيتين أمس الأول، لكن لم تظهر أي مؤشرات على تحقيق انفراجة بعد محادثات استمرت ساعة.ويرجع الخلاف بين البلدين بشكل أساسي إلى استمرار احتجاز ومحاكمة القس الأميركي آندرو برونسون بتهم تتعلق بالإرهاب في غرب تركيا.