خطورة صياغة الخبر
"مجازر في إسرائيل". "أرباح هائلة في البورصة الأميركية". "تفشي ظاهرة انحلال أخلاقي في إحدى الدول العربية".الصحافة تقتات على لفت الانتباه، ونجاح أي صحيفة هو مدى جذبها للمستهلك، سواء من يلمح الصحيفة في جمعية تعاونية أو من قفزت تغريدة الصحيفة الفلانية أمام عينيه في "تويتر"، فأينما كنت؛ وبأي وقت؛ هدف الصحافة خطف انتباهك. ولكن هل تهتم الجامعات الأكاديمية والحكومات العالمية بفن استثمار ذلك الانتباه الذي تخطفه الصحف؟ وهل هناك مناهج تدرس لعشرات السنوات تبحث كيفية تشكيل الأذهان؟ أم نحن نعيش في يوتوبيا الموضوعية حيث لا تساق للإنسان سوى الحقائق الصافية والبيانات النيئة؟
كل منتج له شريحته المستهدفة، فرغبة النجاح التسويقية والملاطفة الإعلامية للممولين تجعلان بعض منابر الإعلام مياله إلى غير الحق، فتلك المنابر الإعلامية سيبقى الاقتصاد بوصلتها، وسيبقى مستهلكوها مغسولي الأدمغة لها، فمن كلمات وزير الدعاية السياسية "غوبلز" التي نصح بها الرايخ الثالث أدولف هتلر: "اكذب حتى يصدقك الناس"، فبرر لآلاف الأسر دعمه في قتل ملايين الأبرياء. حتماً، كل قناة وصحيفة أو أي منبر إعلامي تحثها أجيندا أو أيديولوجيا معينة تعطي لشعار شركتها روحا تفخر بها، ولكن هل يعني ذلك أن كل الصحف تعجز عن توصيل البيانات نيئة؟ في هذا المقال سأوضح بالأمثلة كيف تصوغ صحيفتان الخبر ذاته، ولكن بصيغتين مختلفتين، فالأولى تؤيد المرشح المعني بالمثال والأخرى تقف ضد حزبه:الصحيفة الموالية: "استشهاد حارس شجاع بعدما داهم الإرهابي موكب المرشح (...) فور إتمامه الصدح بكلمة الحق".الصحيفة المضادّة: "أفدى المرشح (...) بأحد زبانيته، حينما انهال عليهم بطل من أبنائنا الغيورين ضربا". ينبغي على القراء التشبث بفن القراءة النقدية، الذي تئده المدارس العربية وتوسوس بظهوره، حتما المثال السابق لا يكفي لتوضيح سائر سبل تمييع الحقائق، والعبث بالكلمات، التي تدغدغ المشاعر تارة؛ وتهيجها تارة أخرى على حسب المصلحة المرغوبة. سأختم بمقولة أخرى لـ"غوبلز" وزير الدعاية السياسية في ألمانيا النازية: "كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي".