التيلجي!
أول ما بدأت أعمدة الإنارة في شوارع الكويت كان المسؤول عنها يسمى التيلجي، وشاء القدر أن هذا التيلجي، الذي ينير طرقات الكويت في بداية امتداد شبكات الكهرباء في شوارعها، قد أهدى إلى الكويت ثلاثة من العقول التي أنارت الحياة الثقافية والسياسية والفكرية.***• الأول: الأستاذ فاضل خلف، الذي بدأ حياته في حقل التعليم، ثم نزل إلى ميدان الحياة الثقافية منذ نهاية أربعينيات القرن الماضي، وحتى الآن، شاعراً، وكاتباً، وناقداً.
ولما أوفد للعمل في سفارة الكويت بتونس مستشاراً ثقافياً جعل مقر السفارة يلعب دوراً ثقافياً مهماً، إذ أصبحت قبلة لكبار المثقفين التونسيين.ولما تيسر لي زيارة تونس في أواسط الثمانينيات كان -أبو محمد- قد أنهى مهمته وعاد إلى الكويت، لكن ما من مثقف تونسي التقيته إلا وأشاد بالأستاذ فاضل خلف، وسعة أفقه وثقافته ودماثة خلقه، بعد أن ترك في نفوسهم نموذجاً للإنسان الكويتي النبيل.*** • أما ثاني أولاد التيلجي فهو المحامي خالد خلف -رحمه الله- الذي اهتم بدراسة القانون، ثم لما بدأ نشاط الحركة السياسية القومية في الكويت كان خالد خلف واحداً من الأسماء اللامعة في التحرك القومي السياسي، وكان أول من عمل على إصدار جريدة يومية في الكويت أطلق عليها "جريدة الشعب"، وحينما بدأت الحياة البرلمانية كان خالد خلف من الأعضاء المحركين في الاتجاه القومي، إلى أن حان موعد ترشحه لعضوية مجلس الأمة، فدخل قبة البرلمان، حيث كان له دور فاعل بممارسته للديمقراطية، وتقديم المقترحات التي كان من شأنها تأكيد الحرية والديمقراطية والعدالة في هذا الوطن.***• وثالث أنجال التيلجي هو الأستاذ عبدالله خلف، ولا أبالغ عندما أقول إن أبا طارق هو الأنموذج الفذ للإنسان الكويتي النبيل، فهذا الإنسان يتمتع بدرجة عالية من الخُلق الرفيع، بشهادة كل من عرفه وتعامل معه.فقد عمل لسنوات كمسؤول عن البرامج الثقافية في إذاعة الكويت، فكانت هي الأكثر عناية وازدهاراً بالثقافة العربية والإسلامية من بين كل الإذاعات العربية.ولما تولى رئاسة رابطة الأدباء سعى جاهداً إلى إحداث نقلات نوعية في مسيرتها، ويعد عبدالله خلف أول من كتب رواية عنوانها "مُدرسة في المرقاب"، في أواسط الستينيات، ولم يزل يغذي الصحف اليومية بمقالاته المشبعة بروح العقلنة والثقافة والمصداقية.***• فرحم الله خلف التيلجي الذي أنار العقول إلى جانب إنارته للطرق.