ما قــل ودل: ضريبة العقارات المبنية في مصر من منظور اجتماعي محاولة للفهم
تطبيق قانون الضريبة على العقارات المبنية الآن في مصر بعد عشر سنوات من صدوره في 23 يونيو سنة 2008، وبأثر رجعي يمتد إلى خمس سنوات سابقة، وعلى قيمة العقارات، أدخل النظام في مصر في مأزق دستوري وقانوني.
تطبيق قانون الضريبة على العقارات المبنية الآن في مصر بعد عشر سنوات من صدوره في 23 يونيو سنة 2008، وبأثر رجعي يمتد إلى خمس سنوات سابقة، وعلى قيمة العقارات، مبالغ فيه أشد المبالغة من جباة الضريبة الذين خرجوا من جحورهم، ومن الكهوف التي يقبعون فيها منذ مدة طويلة، ليروعوا أمن المواطنين بالمبالغ الباهظة المطالبين بها، والغرامات التي ستقع على المتخلفين أو المتأخرين في السداد، ودون جدولة لمتجمد الضريبة على سنوات مماثلة لسنوات الربط، وهي الجدولة التي يسمح بها القانون في المادة (23) لمدة مساوية لمدة التأخير في الربط، مما أدخل النظام في مصر في مأزق دستوري وقانوني.المبالغة في تقدير القيمة السوقية للعقار
ويزيد الأمر تعقيداً أن العقارات الخاضعة للضريبة على أساس قيمتها أول يوليو 2013 يتم تقدير قيمتها الآن بعد خمس سنوات، ومنذ شهور قليلة على أساس القيمة السوقية للعقارات الآن، التي ازدادت زيادة كبيرة لأسباب كثيرة، منها استتباب الأمن وبيع الدولة الأراضي الفضاء للعاملين بالخارج بالدولار، وشبكة الطرق الكبيرة التي شملت كل محافظات مصر، وتعويم الجنيه المصري وانخفاضه إلى أقل من نصف قيمته منسوبا إلى الدولار الذي تتحكم قيمته في أسعار الواردات، فضلا عن كل أسعار السلع الضرورية وغيرها، ورفع الدعم عن الطاقة، وعن كثير من هذه السلع، في الوقت الذي كانت فيه قيمة العقارات المبنية في الحضيض في يونيو 2013، بسبب عروض البيع الكثيرة، بل بيع البعض لممتلكاته وهجرته إلى الخارج، للأسباب التي يعلمها الجميع، وهي اختلال الأمن بعد ثورة 25 يناير.وهو أمر أدخله المشرع في اعتباره عندما أصدر هذا القانون في يونيو 2008، عندما قرر إعادة تقدير قيمة العقارات المبنية الخاضعة لهذا القانون كل خمس سنوات بقصد زيادة حصيلة الضريبة مع ارتفاع أسعار العقارات سنويا، وإن وضع حدا أقصى لزيادة القيمة هو 30% للسكن و45% لغير السكن.وإذا كان المشرع قد أدخل ذلك في اعتباره في الظروف العادية، فأولى أن يكون ذلك تحت نظر القائمين على تقدير قيمة العقارات الآن في ظروف غير عادية، وهي قيام ثورة 25 يناير وتداعياتها على الأمن وعلى السياسة وعلى حياة المواطنين وأمنهم، مما أدى إلى قيام ثورة أخرى في 30 يونيو سنة 2013 لتحقيق الأمن للمواطن، ليستعيد ثقته ببلده وأرضه ونظام الأمن فيه، والذي لم يتحقق فجأة وفي يوم واحد، بل على مدار السنوات الخمس الماضية ليستيعد المواطن ثقته بنفسه. هل بالغ النظام في ثقته بنفسه؟وهو سؤال مشروع يطرحه المنطق الطبيعي للأشياء، فقد تحمل الناس أعباء كثيرة في كل مناحي المعيشة بعد تطبيق الإصلاح الاقتصادي الذي طالب به صندوق النقد الدولي، بسبب الضرائب غير المباشرة التي ازدادت في السنوات الأخيرة، وشملت كل السلع حتى الخدمات، والتي يقع العبء الأكبر فيها، بل هي الهمّ الأكبر على المواطن الفقير، وقد زادت نسبة المواطنين تحت خط الفقر، وكان من أسباب زيادة هذه النسبة الضرائب غير المباشرة التي تلتهم دخل الفقراء، فضلا عن الطبقة الوسطى، ولا تؤثر على دخل الأغنياء، وهي مرفوضة في كل البلاد من منظور اجتماعي وإن كانت الدول تلجأ إليها لسهولة التحصيل، في الوقت الذي زاد فيه المشرع الضريبة على الدخل العام بنسبة 5% بعد ثورة 25 يناير خفض المشرع هذه النسبة بعد 30 يونيو إلى النصف، وكان يفترض أن يتبنى المشرع بعد ثورة طالبت بعدالة اجتماعية ضرائب تصاعدية تصل في بعض البلاد إلى أكثر من 60% من الدخل.وقد تحمل الناس أعباء كثيرة بعد رفع الدعم عن الطاقة، وزيادة أسعارها زيادة كبيرة، وحصلت فيها الزيادة إلى خمسة أمثال، الأمر الذي زادت مصر أسعار السلع، بسبب زيادة أسعار النقل، والتي بالغ فيها التجار كثيرا دون رقابة من الدولة أو إشراف.وزادت أعباء المواطن بسبب رفع الدعم عن السلع الضرورية والأساسية للمعيشة وبسبب تقديم الجنيه المصري وانخفاضه إلى أقل من نصف قيمته منسوبا إلى الدولار الذي يتحكم في أسعار الواردات جميعا، وفي أسعار السلع بوجه عام التي ترتفع مع زيادة سعر الدولار.في وقت تخلت فيه الدولة ومنذ سنوات طويلة ترجع إلى ما قبل 25 يناير 2011 عن وظائفها التقليدية في التعليم والصحة والأمن، فانتشرت المدارس والجامعات الخاصة في طول البلاد وعرضها وأصبحت تلتهم جزءا كبيرا من دخل الأسرة، وأصبحت المستشفيات الخاصة فنادق من خمس وسبع نجوم، وأصبح العلاج بالمجان قائما على التبرعات في بعض المستشفيات التي تقوم بخدماتها للمواطنين من التبرعات التي أصبحت الدعوة إليها نظاما إعلانيا ثابتا في كل القنوات الفضائية، وأصبح الأمن خاصا في التجمعات السكنية الجديدة، فماذا يبقى من الدولة؟لقد تحمل الناس في مصر كثيراً، استجابة لطلبات الرئيس المستمرة إلى الشعب في خطاباته المتكررة بالتحمل حتى لا تسقط الدولة، ولكن للصبر حدود وللتحمل حدود.وهو ما يدعوني إلى أن أناشد الرئيس عبدالفتاح السيسي بالتدخل فوراً لإيقاف العمل بهذا القانون اكتفاء بضريبة الدخل، وهي الضريبة الطبيعية في كل دول العالم، وإعادة دراستها ودراسة وعائها الضريبي لإبعاد شبهات عدم الدستورية التي تشوب هذا القانون.