بالإضافة إلى الجيش الوطني وأعضاء الكونغرس الذين حضروا للمشاركة في المراسم الرسمية، احتشد المئات من الناس للاحتجاج على خطة الرئيس إيفو موراليس للترشح لولاية رابعة في عام 2019، الذي كان قد أعلن ترشحه في أواخر شهر نوفمبر عام 2017، رغم استفتاء وطني عارض تعديل الدستور لمنحه ولاية إضافية.خلا الاحتفال الصباحي من أي حوادث تُذكر باستثناء العرض العسكري الذي تلاه خطاب نائب الرئيس ألفارو غارسيا لينيرا وخطاب إيفو عن حالة الأمة، ولكن بعد العرض العسكري وخطابَي الرئيس ونائبه، رفعت الشرطة الحواجز، مما سمح للمتظاهرين بالتدفق بأعداد كبيرة حاملين لافتات ضخمة كُتب عليها "بوليفيا قالت لا"، لا لإعادة الانتخاب، لا لحركة إيفو نحو الاشتراكية، لا للخطابين اللذين أدلى بهما إيفو ولينيرا قبل أقل من ساعة.
شهدت بوليفيا تقدماً كبيراً خلال عهد الرئيس إيفو موراليس، الذي يدعوه الشعب إيفو، فيستطيع "أول رئيس من الهنود الأصليين"، كما شدد لينيرا للحشد، التفاخر بإنجازات في النمو الاقتصادي، ومعدلات محو الأمية، وتحسين الصحة العامة، والمبادرات التعليمية، وما هذا سوى غيض من فيض. وصل إيفو إلى سدة الرئاسة في 2006، لكن اللافت للنظر حقاً خلال عهده التقدم غير المسبوق الذي حققته بوليفيا في منح السكان الأصليين حقوقهم، إذ ظلت الشعوب الأصلية في بوليفيا مهمشة طوال كامل مرحلة الاستعمار والتاريخ المعاصر تقريباً، لذلك قرر أهل كثر عدم تعليم أولادهم لغتهم الأصلية لحمايتهم، كانت بوليفيا أحد أفقر بلدان العالم واعتُبر سكانها الذين ينتمون بغالبيتهم إلى السكان الأصليين الأفقر بين الأفقر.ولكن بموجب دستور إيفو الجديد عام 2009، بدأت الأوضاع تتغير، فقد تبدّل الاسم الرسمي لبوليفيا من "جمهورية دوليفيا" إلى "دولة بوليفيا المتعددة القوميات"، بما أن تعدد القوميات يعترف بمجموعة من القوميات في كيان دولة واحد، كذلك اعتُبرت 36 لغة أصلية لغة رسمية.بدّلت هذه السياسات وغيرها حياة الملايين من سكان بوليفيا الأصليين، فقد أخبرتني امرأة خلال التظاهرات: "صرنا نرى اليوم في المكاتب المحترفة نساء يرتدين البوليرا".ختم إيفو خطابه بالإشارة إلى الأهمية العالمية للتجربته البوليفية، قائلاً: "مع كل نمونا الاقتصادي هذا، تملك بوليفيا أملاً كبيراً، ولكن الأرجح في أحد التغييرات الأكثر أهمية هو البدء بالاعتراف ببوليفيا دولياً". بغض النظر عن تقييمك لبوليفيا خلال عهد إيفو، لا شك أن هذا التصريح صحيح، إذ تشكّل المجموعات المعارضة التي انتقلت إلى بوتوسي جزءاً من حركة "21 فبراير 2016"، التاريخ الذي أُجري فيه الاستفتاء، ولكن في شهر نوفمبر عام 2017، ألغت المحكمة الدستورية البوليفية الاستفتاء وأبطلت كل الحدود المفروضة على عملية إعادة الانتخاب لكل المناصب الرسمية، مدعية أن هذه الحدود تشكّل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وبعد بضعة أيام أعلن موراليس ترشحه لانتخابات عام 2019، وإذا فاز فسيظل في منصبه حتى عام 2025، ممضياً في السلطة 19 سنة متعاقبة. يأتي الكثير في المعارضة من اليسار مدعين أن إيفو أخفق في الالتزام بوعوده كرئيس مناهض للاستعمار والنشاطات الاستخراجية، فقد فتح إيفو البلد أمام عمليات ضخمة للتنقيب عن المعادن (وخصوصاً أمام الشركات الصينية)، رغم ادعائه أنه ملتزم "بحقوق أمنا الأرض"، وختم لينيرا خطابه مقتبساً كلمات كارل ماركس بالقول: "حملت الرأسمالية الدماء إلى كل أنحاء العالم".وأضاف: "ما من مستقبل آخر، وإذا كنا سنصل إلى أمر مختلف، فهو الهاوية، إنها العودة إلى الليبرالية الجديدة، وإساءة استغلال الماء والغاز، وخصخصة الموارد الطبيعية"، حيث يشير لينيرا بكلامه هذا إلى حرب الماء في كوتشابامبا وحروب الغاز في إل-ألتو عام 2003 التي أدت في نهاية المطاف إلى استقالة غونزالو سانشيز دي لوسادا "غوني" وانتخاب إيفو، ويعتقد المتظاهرون أن رئاسة موراليس كانت تاريخية وحققت إنجازات كبيرة، إلا أن تجاهل قواعد الديمقراطية الأساسية يلطخ كل هذا أو قد يقود إلى ما هو أسوأ، ولكن هل تنجح بوليفيا في تشكيل حكومة يتحدث فيها كل المسؤولين العامين لغاتهم الأصلية من دون أن يكون سبب ذلك أمرا من إيفو؟ وهل يستطيع المعلمون تخيل دولة بوليفية يتعلم فيها الأولاد في صفوف تدرِّس ثلاث لغات وتبتعد عن الاستعمار، صفوف لا تمولها حركة نحو الاشتراكية؟ وهل تستمر الثورة بعد صانعها؟ يريد بوليفيون كثر معرفة الجواب.* «جاكلين كوفاريك»
مقالات
النضال في سبيل الديمقراطية... درس من بوليفيا
12-08-2018