هل هذا فعلاً مبعوث سلام؟!
لا يستحق جيسون غرينبلانت أن يكون مبعوثاً؛ لا دولياً ولا أميركياً، خاصاً لعملية السلام في الشرق الأوسط إذا كان فعلاً قد دعا حركة فتح إلى مؤازرة إسرائيل في "جهد مشترك" ضد "حماس"، فهذا أبشع وأخطر المحرَّمات في القاموس الفلسطيني، ولا يمكن إلا اتهام أي جهة فلسطينية تلجأ إليه بالعمالة لدولة العدو الصهيوني، وبغض النظر عن حجم الخلافات التي أدت إلى الأحقاد الكثيرة المتبادلة بين هذين التنظيمين الفلسطينيين. وبالطبع، فإنه كان متوقعاً أن ترفض حركة فتح، مطلقة الرصاص الأولى وأمّ الثورة الفلسطينية، دعوة غرينبلانت (الخسيسة) هذه، فإراقة الدم الفلسطيني بأيدٍ فلسطينية محرَّمة، وذلك مع أن بعض التنظيمات، التي كانت قد ظهرت كنبات شيطاني على مجرى هذا النضال وكبؤر عميلة لبعض الجهات وبعض الدول العربية، قد ارتكبت من مثل هذه الموبقات الشيء الكثير.
وهنا، فإن المفترض أنه لا يزال هناك مَن يتذكر حصار مخيم تل الزعتر وحصار طرابلس في الشمال اللبناني اللذين تعانقت فيهما بنادق الإسرائيليين مع البنادق المأجورة التي كانت ولا تزال تقف وراءها جهات بقيت تحاول انتزاع "القرار الوطني" من أيدي الأصحاب الفعليين لهذه القضية المقدسة. إنه معروف أن حركة حماس قامت بذلك الانقلاب العسكري الدموي، انقلاب عام 2007 في غزة، ضد حركة فتح والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير لحساب جهات عربية وغير عربية لم تكن مجهولة، وهي لا تزال غير مجهولة، لكن أن تتحكم في حركة فتح الدوافع الثأرية وإلى حد مؤازرة إسرائيل ضد أشقاء فلسطينيين، كما طلب غرينبلانت، فإن هذا ليس غير ممكن فقط، لا بل إنه خيانة ستبقى اللعنات تلاحق مرتكبها حتى نهاية التاريخ وإلى يوم القيامة. الآن تبدو هذه القضية المقدسة عالقة في عنق الزجاجة، كما يُقال، والآن هناك محاولات، متورطة فيها إلى جانب إسرائيل الولايات المتحدة وآخرون، لحصر حل هذه القضية في غزة، والاكتفاء بأن يكون القطاع هو دولة الفلسطينيين المنشودة، وهذا يعني أنه على "حماس" ألا تتورط في هذه الخيانة الكبرى، التي يبدو أن عنوانها "صفقة القرن"، التي أعلنها ويروِّج لها دونالد ترامب، والتي إن هي تمَّت بالفعل، فإنها ستكون "صفعة العصر" للعرب كلهم! وعليه، ولأن هناك مؤامرات كثيرة، كانت ولا تزال تستهدف القضية الفلسطينية وتسعى إلى تصفيتها، فإنه على الأشقاء الفلسطينيين أن يتقوا الله في قضيتهم، وعلى حركة حماس أن تدرك أن كل هؤلاء الذين دفعوها ويدفعونها لإدارة ظهرها للوحدة الوطنية التي بقيت حركة فتح تطاردها بها من أجل إتمامها وعلى مدى سنوات طويلة، منذ عام 1987 وحتى الآن، سيتخلون عنها عندما ينجزون ما يريدونه، وهذه تجارب التاريخ صفحاتها مفتوحة لمن يريد أن يقرأ ليأخذ العبر من هذه التجارب، وخاصة المتعلقة منها بهذه القضية المقدسة فعلاً، وبهذه المسيرة الدامية والعسيرة والطويلة والمكلفة.