يقوم أسلوب ترامب في العمل على توليد أزمة بعنف ومن ثم "حلها" أمام عدسات الكاميرا، وبالتالي أمام قاعدته السياسية المحلية.قام ترامب أخيراً بمناورته هذه عندما فرض رسوماً جمركية على الاتحاد الأوروبي، ومن ثم تفاوض منتصراً بشأن تخطّ سطحي لهذه الاختلافات مع جان كلود يونكر، رئيس المفوضية الأوروبية. ويبدو أنه يقوم بالمثل بشأن التجارة مع المكسيك، وكندا، والصين. على نحو مماثل، ثار ترامب ضد كوريا الشمالية، مهدداً بحرب كارثية مع تلك الأمة المتسلحة نووياً، لكنه عمد بعد ذلك إلى التبختر في قمة مع الزعيم الكوري الجنوبي كيم يونغ أون، متوصلاً إلى اتفاق غامض بشأن نزع السلاح النووي، ثم أعلن بمراوغة أن كوريا الشمالية "لم تعد تهديداً نووياً".
ها هو ترامب يكرر مناورته ذاتها مع إيران، فقد تملص من مشاركة الولايات المتحدة في الصفقة المتعددة الأطراف بشأن برنامج إيران النووي، وحظرت الولايات المتحدة أي تعاملات اقتصادية مع إيران تشمل أوراقاً نقدية أميركية، وذهباً، ومعادن ثمينة، وفحماً حجرياً، والفولاذ، والألمنيوم، وطائرات نقل الركاب، كذلك أنهت العقوبات استيراد الولايات المتحدة السلع الغذائية الإيرانية، فضلاً عن السجاد الذي يفتخر الإيرانيون بإنتاجه. لم تكتفِ الولايات المتحدة بإعادة فرض العقوبات على تجارتها مع إيران، بل تحاول أيضاً إرغام الشركات من الأمم الأخرى التي وقعت الصفقة على الرضوح للحصار الأميركي.يعتقد ترامب أنه، بالتهديد بالحرب ضد إيران والتخلي عن الاتفاق القائم، قد ينجح في التوصل إلى صفقة أفضل مما حققه سلفه أوباما، الذي بدا كثير الإخفاقات، صحيح أن المفتشين الدوليين استخلصوا أن الإيرانيين يلتزمون بالاتفاق، غير أن ترامب أراد المزيد، وبدل انسحابه من الاتفاق، كان باستطاعته استخدام مهاراته في التفاوض لجعل هذا الاتفاق دائماً أو إضافة النقاط الأخرى المثيرة للجدل إليه بشأن سلوك إيران. بكلمات أخرى، كان عليه تعزيز الثقة مع الإيرانيين بالتزام الولايات المتحدة بالاتفاق ليبني بعد ذلك على هذا الاتفاق بدل أن يحرقه، لكن أسلوب ترامب يقوم على التهديد والوعيد قبل التفاوض، وسبق أن عرض ترامب، الذي يعشق التبختر في القمم، لقاء القائد الإيراني في مفاوضات أخرى بالغة الأهمية وجهاً لوجه على غرار ما عقده مع الزعيم الكوري الشمالي. لا يحتاج الإيرانيون كالكوريين الشماليين إلى الوقوف إلى جانب قائد "الشيطان الأكبر" في جلسة تصوير، ولن تكون العقوبات الأحادية الطرف بالفاعلية ذاتها كما العقوبات المتعددة الأطراف. حتى في ظل الأحوال الطبيعية، شابت العقوبات المتعددة الأطراف دوماً خروقات كثيرة، رغم تعهد الدول بتطبيق التزاماتها، وفي الوضع الراهن لا داعي أن تدعي الأمم الأخرى التي وقعت الاتفاق أنها تلتزم بالعقوبات الأميركية، على العكس حدّث الأوروبيون قانون الحظر الذي يتبعونه، فصار يعاقب الشركات الأوروبية إذا التزمت بالعقوبات الأميركية ضد إيران. لذلك لن تتغاضى الحكومات الأوروبية، والصينية، والروسية عن أي غش ينتهك العقوبات المالية والعقوبات الأخرى الأميركية فحسب، بل ستشجعه أيضاً، لكن الأهم من ذلك أن العقوبات المتعددة الأطراف القاسية بحد ذاتها لا تحقق تقدماً كبيراً نحو بلوغ الأهداف السياسية الطموحة. على سبيل المثال، لم ترغم العقوبات العالمية الأشمل في التاريخ صدام حسين على العودة عن غزوه الكويت في مطلع تسعينيات القرن الماضي، لذلك من المستبعد أن تحقق العقوبات الأحادية الطرف الأهداف الطموحة التي يحلم بها ترامب بشأن إيران.*«إيفان إيلاند»
مقالات
العقوبات على إيران لن تحقق ما يرجوه ترامب
13-08-2018