الأتراك والأميركيون... أصدقاء وأعداء!
ما كان مفترضاً، بل هو مستغرب، أن تصل العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا إلى هذا المستوى من التردي، فالدولتان اللتان إحداهما الدولة الأعظم في العالم بأسره، والثانية الدولة الأهم في الشرق الأوسط، الذي فيه دول رئيسية أخرى، كانتا حتى فترة سابقة غير بعيدة أهم حليفين وصديقين في حلف شمال الأطلسي، وكانت الدولة التركية الأقوى عسكرياً في هذا الحلف، بعد أميركا، وكانت في فترة الحرب الباردة وصراع المعسكرات جدار التصدي للاتحاد السوفياتي، والخندق المتقدم في مواجهة الدولة الأخطر في حلف وارسو.ربما هناك من يعتقد أن زوال الاتحاد السوفياتي قد أزال صراع المعسكرات، ولم تعد هناك ضرورة لا لهذا الصراع ولا للحرب الباردة، لكن ما إن تجاوزت روسيا الاتحادية مرحلة ما بعد انهيار المرحلة السوفياتية، واستعادت ولو بعض المكانة السابقة؛ حتى ثبت أن حلف شمال الأطلسي لا يزال ضرورياً، وأنه لا بد من الحفاظ على تركيا كخندق متقدم لهذا الحلف، والإبقاء على جيشها كأهم وأقوى جيش فيه بعد الجيش الأميركي.
كانت بدايات انفراط هذا العقد قد بدأت مع بدايات إدارة باراك أوباما، الذي كان لديه اعتقاد ثبت أنه خاطئ بأن روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي لن تنهض من كبوتها، وأن تعبئة الفراغ المستجد في الشرق الأوسط تقتضي استبدال تركيا بإيران التي بالإمكان اعتبارها بوابة الغرب كله نحو الشرق الأقصى. والحقيقة أن هذا كان تصوراً خاطئاً وأنه كان بمثابة قراءة حولاء وخاطئة لمعادلات القوى في تلك المرحلة الخطيرة، التي ترتب على معادلاتها وضع العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين والألفية الثالثة.ولعل الأخطر والأسوأ أن عمى الألوان السياسي هذا قد انتقل من الإدارة الديمقراطية، ومن باراك أوباما، إلى الإدارة الجمهورية ودونالد ترامب، فالرئيس الأميركي الجديد، بدل أن يعطي لنفسه ولإدارته الوقت للتدقيق جيداً في معادلة الشرق الأوسط المستجدة، ويسعى بكل إمكانياته للحفاظ على كل حلفاء الولايات المتحدة في هذه المنطقة، ذهب بعيداً في استفزاز تركيا وإزعاج رئيسها رجب طيب إردوغان، بدل أن يأخذ بعين الاعتبار أن دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في حلف شمال الأطلسي قد رفضت انضمام أنقرة إلى السوق الأوروبية المشتركة وإلى الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإنها دفعتها دفعاً في اتجاه روسيا الاتحادية.وهكذا، فإن ما جعل إردوغان يأخذ تركيا خطوة بعد خطوة، بعيداً عن الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، وبالتالي عن حلف شمال الأطلسي؛ أن فلاديمير بوتين قد استغل مخاوف الرئيس التركي من الأكراد بالتقرب أكثر من اللزوم من حزب العمال الكردستاني – التركي، الذي كان بالأساس صناعة مشتركة بين المخابرات السورية والمخابرات السوفياتية، مما دفعه دفعاً إلى الارتماء في أحضان الروس وإدارة ظهره، وإنْ مواربة في البدايات، لأميركا التي بدل أن تقف وقفة جادة مع الذات، وتراجع حساباتها الشرق أوسطية جيداً، ذهبت بعيداً في استفزاز تركيا وإزعاجها بافتعال أزمة العملة التركية، التي جعلت العلاقات بين الدولتين وبين الرئيسين تصل إلى مرحلة تصدع وانهيار لم تكن متوقعة، ولا محسوباً حسابها بين دولتين رئيسيتين في حلف شمال الأطلسي!