العبادي يكسب الشيعة ويُغضب حلفاء إيران
انتقل من قائد منتصر إلى ثالث بالانتخابات ومغضوب عليه بشدة في التظاهرات
لعل الأشهر الثلاثة الماضية كانت أصعب فترة مرت على رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، إذ انتقل من موقع القائد المنتصر في حرب كبيرة على تنظيم داعش، إلى فائز ثالث في انتخابات مايو، ثم إلى رجل مغضوب عليه بشدة في تظاهرات لم تتوقف منذ يوليو الماضي؛ احتجاجاً على نقص الطاقة والفساد الإداري والركود الاقتصادي، لكنه يسترجع اليوم شيئاً من التضامن الشعبي، بسبب موقف أثار غضب الإيرانيين في ملف العقوبات الأميركية.وانشغل العراقيون طوال الأيام الماضية بموقف العبادي الصريح، الذي أعلن خلاله الالتزام الكامل بالعقوبات الجديدة ضد إيران، وتوقف البنك المركزي العراقي عن ضخ ملايين الدولارات التي كانت تتدفق يومياً عبر التجار إلى مصارفها.وأثار الأمر أصواتاً كثيرة في العراق معروفة بولائها لطهران، لكن ذلك كشف في الوقت نفسه تطوراً في مشاعر الجمهور الشيعي بالجنوب، يجعل الأغلبية مؤيدة للقرار الرسمي بالوقوف إلى جانب واشنطن في عقوباتها، التي بدت أشد إيلاماً للجمهورية الإسلامية أكثر من أي وقت مضى.
وكان العبادي قال، خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي، إن بغداد ستلتزم بالعقوبات رغم عدم تعاطفها مع المبدأ، لكن على الحكومة أن تحمي شعبها، وتلتزم بالقرارات الصادرة عن الحليف الأميركي، مستخدماً عبارة «الأقربون أولى بالمعروف، والشعب العراقي مسكين أيضاً، ولا ينبغي تعريض مصالحه للخطر أو الاصطدام برغبة واشنطن».وطوال ١٥ عاماً مرت على سقوط صدام حسين، بقيت التناقضات الأميركية - الإيرانية أصعب اختبار يواجه رؤساء الحكومة الذين ينتمون إلى الأغلبية الشيعية، إذ يصعب الحفاظ على توازن بين الجار الشرقي ذي النفوذ الديني والثقافي في العراق، والحليف الأميركي الذي أطاح صدام، وساعد العراقيين في صناعة استقرار نسبي بعد سنوات طويلة من العنف الدامي. ولعوامل مذهبية وأخرى سياسية تمتد إلى الحقبة العراقية السابقة، ظل الكثير من شيعة العراق يتمسكون بالدفاع عن إيران في ملفات كثيرة، لكن التزام العبادي بالقرارات الأميركية كشف عن تراجع في مستوى تأييد العراقيين لإيران، إذ انشغل الرأي العام الشيعي خاصة بدعم مواقف الحكومة، وإلقاء اللوم على إيران التي لم توافق على الحوار.وأصدرت ميليشيات عراقية عدة بيانات تدين موقف العبادي، وتطالبه بمساندة إيران خلال المواجهة المتصاعدة مع إدارة ترامب، لكن جمهوراً واسعاً من الشباب العراقيين على «السوشيال ميديا»، راح يطالب هذه الفصائل بتسليم سلاحها للدولة، والتخلص من الولاء لإيران، والالتزام بالمواقف الوطنية.وفي السنوات الأخيرة، اضطرت الحوزة العلمية العريقة في مدينة النجف العراقية إلى خوض مواجهات شبه صريحة مع السياسات الإيرانية، وخصوصاً في ملف تشكيل الحكومات وإدارة الصراع النيابي، الذي كثيراً ما تتدخل إيران فيه، عبر حلفاء عرب وأكراد أيضاً.وعارضت مرجعية آية الله السيستاني الدينية، التي يتبعها عشرات الملايين عبر العالم، كثيراً من سياسات طهران، وخاصة تعبئة الشباب العراقيين للقتال إلى جانب النظام السوري.وساهم موقف النجف في تنبيه العراقيين إلى أخطاء السياسة الإيرانية، وضرورة نزع التوتر مع المحيط العربي والمذاهب السنية وتطبيع العلاقات مع الجوار، وعدم الاقتصار على تحالف غير متكافئ مع إيران.وكل هذه العوامل جعلت أنصار إيران يتراجعون في الكمية والكيفية حتى حين يحرق المتظاهرون الغاضبون صور رجال الدين الإيرانيين التي توضع بشكل استفزازي أحياناً في الميادين العامة، كما حصل خلال احتجاجات البصرة الشهر الماضي.