تركيا... لا للمؤامرة... لا للشماتة
مازلت أؤمن بشدة أن أحد أهم أسباب مصائبنا في العالم الإسلامي هو الإسلام السياسي، ولو كان الإسلام بقي في القلوب والمساجد لكانت أمورنا أفضل بكثير، ولا كان لأعدائنا مسلك يمكنهم من تدمير هذه الأمة وتشتيتها، وهذا مدخل أعبر فيه عن عدم انسجامي مع عقيدة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان السياسية، ولكنني مؤمن بأسلوبه في حكم تركيا، وإعادتها إلى موقعها المناسب بين دول العالم.نظام إردوغان الحالي هو نتيجة مئة عام من تطبيق النهج العلماني في تركيا، وإن أنكر الإسلاميون وراوغوا لعدم الاعتراف بتلك الحقيقة، ولولا النظام العلماني لتمزقت تركيا، بسبب تخلف النظام العثماني السابق وجموده، ولقضت عليها هزيمة الحرب العالمية الأولى قضاء تاماً، ولكن دواء العلمانية استغرق وقتاً لعلاج تلك الامبراطورية المتهاوية، وقدم لها الحلول التي أنتجت دولة حديثة مع بداية الألفية الحالية.
بالطبع إن هناك توليفة متزامنة أتت بحزب العدالة والتنمية للحكم المنبثق عن حزب الفضيلة، والتداعيات التاريخية التي يطول شرحها للنظام التركي الحاكم حالياً، ولكن هذه التوليفة تتكون من رجال كانوا جادين في محاربة الفساد والبناء بعد انقلابات العسكر الدموية، وفساد الأحزاب اليسارية والقومية، بالإضافة إلى العامل المؤثر الآخر المتمثل في الرفض الأوروبي لقبول تركيا ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي، والذي أحيا لدى الأمة التركية الموروث العثماني، والهوية الوطنية القومية، التي يكون الإسلام جزءاً مهماً منها، ودفعت الناخب التركي نحو حزب العدالة، الذي يعكس موروثه تجاه الرفض الأوروبي له.تركيا ليست معنية كثيراً بالعرب، وتبحث عن مصالحها، وتتحالف أحياناً مع إيران حتى لو كانت تقوم بمجازر ضد العرب، كما حدث في سورية، ويستخدم الأتراك القضية الفلسطينية كما تستخدمها طهران للدعاية السياسية لخدمة مصالحها، ولعبت أنقرة دوراً مخزياً في القضية السورية، وباعت واشترت بالسوريين مع موسكو، وواشنطن، وطهران، والأوروبيين، كما فعل جميع العرب، وفي النهاية العثماني غير معني بمصير العرب إلا بما يخدم مصالحه، ويقوي موقفه أمام خصومه.ولكن تدمير الاقتصاد التركي، وإسقاط النموذج العلماني الديمقراطي بنكهة إسلامية، لا يخدم مصالحنا كعرب، والتوازن المطلوب في المنطقة، فما يقوم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب وبعض حلفائه، من محاولة لكسر رأس تركيا، وإرغامها على الركوع والخضوع والتدخل في شؤونها الداخلية، سيكون له آثار سلبية على أي محاولة لأي دولة إسلامية تريد أن تخرج من إطار التبعية، وتبني لها دوراً في إقليمها وحول العالم.