مثلما كانت الحياة عموماً صعبة وقاسية قديماً سواءً في الكويت أو في منطقة شبه الجزيرة عموماً كانت الرحلة لأداء مناسك الحج تتسم أيضاً بالمشقة والتعب وطول السفر للوصول إلى الأماكن المقدسة.

وحتى منتصف عشرينيات القرن الماضي كان الحجاج يتوجهون من الكويت إلى الديار المقدسة على ظهور الجمال وتستغرق رحلتهم ما لا يقل عن ثلاثة أشهر ذهاباً وإياباً.

Ad

ومعظم حملات الحج الكويتية المكونة من مئات الجمال كانت تتوجه إلى المدينة المنورة أولاً ومنها إلى مكة المكرمة برفقتها بعض العارفين بطرق الصحراء وأماكن توافر المياه بينما كانت تتوجه بعض الحملات إلى مكة المكرمة مباشرة.

قوافل

وعن رحلة الحج قديماً، أفاد الباحث في التراث الكويتي محمد عبدالهادي جمال في كتابه «الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت» بأن قوافل الحجاج الكويتية كانت تمر في طريقها إلى مكة عبر مناطق عديدة منها «الحفر» و«النصافة» و«الهابة» و«الرطاوية» و«أم الجماجم» و«جبة» و«القصيم».

وأضاف جمال أن قوافل الحجاج المتجهة إلى المدينة المنورة كانت تمر عبر مناطق أخرى وتصل إلى هناك بعد ثلاثة أسابيع تقريباً وفي المدينة المنورة كان الحجاج يمكثون ما بين عشرة أيام إلى أسبوعين يزورون خلالها المسجد النبوي الشريف وقبر الرسول صلى الله عليه وسلم والمساجد التاريخية ثم يتوجهون إلى مكة المكرمة ويصلون إليها بعد فترة قد تمتد ما بين أسبوع الى 12 يوماً من المسير حسب الظروف.

وعن كيفية التجهيز لرحلة الحج قديماً، أوضح جمال أن «الجمال كانت تهيأ قبل السفر حيث يتم تركيب (محمل) أو (هودج للنساء) و(شداد) للرجال ويحمل الهودج امرأتين تجلس كل منهما في (كواجة) وهي عبارة عن قفص خاص مصنوع من الخيزران أو أغصان (الاثل) مخصص لهذا الغرض تتم تغطيته بنوع خاص من القماش السميك أو مايسمى بـ (الطربال)«.

أما الرجال فيمتطي كل واحد منهم جملاً متكئاً على «الشداد» وهو فرشة خاصة توضع على ظهر الجمل وهناك جيبان كبيران «خرجان» في الجانبين لوضع الأغراض الخاصة بالحاج الذي يمسك بقطعة عمودية من الخشب مثبتة في الشداد من الجهة الأمامية أثناء سير الجمل.

وذكر جمال أن معظم حملات الحج الكويتية كانت تغادر في أوائل شهر ذي القعدة وتعود في أواخر شهر محرم وتتكون كل حملة من حوالي 50 إلى 60 جملاً يشتريها صاحب الحملة أو يستأجرها كما يستأجر ما بين 20 إلى 30 «حادياً» أي قائداً للجمل من أهل البادية أو سكان نجد العارفين بالطرق الصحراوية لقيادة الجمال أثناء المسير ويقود كل واحد منهم جملاً من التي تحمل النساء وهو يسير على قدميه طوال الطريق، مبيناً «أن تكلفة الحج قديما كانت 150 روبية يدفعها الحاج لراعي الحملة ولا تشمل التكلفة الغذاء».

المسير

وأشار إلى أن الحملات تبدأ مسيرتها يومياً عقب صلاة الفجر إلى منتصف النهار إذ كانت تتوقف للاستراحة وتناول بعض الطعام والقهوة وتسمى هذه الاستراحة «مضحى» وتترك الجمال هذه الفترة لترعى في الصحراء وقد تم عقل رجليها الأماميتين كي لا تبتعد عن الحملة.

وأضاف «أن الحملة تستأنف بعد الاستراحة مسيرتها إلى العصر حيث يتوقفون أيضاً للصلاة والغداء ونيل قسط من الراحة ثم يكملون المسير حتى إذا ما حل الغروب أناخوا جمالهم للراحة وتناول العشاء ثم النوم».

وأشار إلى أن الحملات تتوقف للاستراحة عادة في الأماكن الآمنة والقريبة من آبار الماء و«الخباري» وهي أرض منخفضة تجمع الماء وتحتفظ بها مدة طويلة والمناطق التي تتوافر فيها الأعشاب لرعي جمالها.

وقال إنه عند توقف الحملة مع آذان المغرب يتم نصب الخيام ثم تبدأ كل مجموعة أو عائلة بتجهيز طعامها بعد صلاة المغرب استعداداً لتناول العشاء ثم المبيت للعودة للمسير فجراً وهكذا حتى الوصول إلى المكان المطلوب.

وبين أن الحجاج كانوا يحملون معهم جميع احتياجاتهم من الغذاء الذي لم يكن يتوافر في الطريق وأيضاً قرب الماء كما يأخذ كل حاج معه «مزودة» وهي عبارة عن كيس كبير مصنوع من الصوف توضع فيه المواد الغذائية و«الزهاب» الذي يتكون من الدرابيل والحلوى والرهش وقرص العقيلي إضافة إلى الاحتياجات الأخرى.

وذكر جمال أن الطرق التي كان يمر بها الحجاج قديماً تحتوي كثيراً من الآبار التي يتجمع حولها الرعاة والمارة وسكان المناطق المجاورة من البدو الرحل الذين يتزودون بالمياه من تلك الآبار.

وأشار إلى أن الحجاج كانوا يستخدمون الأقمشة أو الملابس القديمة لتصفية المياه من الشوائب قبل استخدامها للطبخ أو الشرب أحياناً ويتم سحب الماء من الآبار التي يزيد عمقها في بعض الأحيان عن ستين متراً بواسطة الجمال التي ترفع القرب الكبيرة المربوطة بالحبال لاستخراج الماء من هذه الآبار.

السكن

وأوضح أن بعض الحجاج عند وصولهم إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة كانوا يتخذون من خيامهم التي تنصب في أطراف المدينتين سكناً لهم بينما يسكن البعض الآخر وخصوصاً منهم المقتدرون والأثرياء في بيوت خاصة مجهزة للحجاج مقابل أجرة تتراوح ما بين 50 و80 ريالاً للبيت الواحد لفترة الحج.

وأكد أن كل مجموعة من الحجاج كانت تجهز ما تشاء من غذاء لها في أثناء بقائها في مكة المكرمة والمدينة المنورة في حين تزود الحملة حجاجها بالوجبات الأساسية التي تتكون أساساً من الأرز والجريش إضافة إلى التمر والقهوة بينما تأخذ بعض الحملات معها الحلوى والرهش والكليجة وقرص العقيلي.

وذكر أن من العادات التي كانت سائدة في الكويت قديماً مرافقة أهالي الحجاج لحملات الحج عند مغادرتها الكويت إلى مراكز تجمعهم لوداعهم وذلك في موقع المستشفى الأميركي بالقبلة قبل بنائه واستمر ذلك إلى أوائل القرن العشرين حيث انتقل الموقع إلى جليب الشيوخ في العشرينيات قبل أن ينتقل الى الشدادية عند البدء باستخدام السيارات.

وبين أن من العادات السائدة قديماً أيضاً توجه شخص من مرافقي الحملة يدعى «البشير» إلى مدينة الكويت بمفرده قبل وصول الحجاج العائدين لتبشير أهاليهم بقرب وصولهم سالمين فيقوم بطرق أبواب الأهالي وتبشيرهم بالخير فيحصل على المقسوم من البشارة وهي إما أن تكون بشتاً أو دشداشة وغترة وعقالاً أو بعض الروبيات.