أدت الفعاليات البشرية غير المنتظمة والآخذة في الازدياد إلى تدهور البيئة الطبيعية لمساحات شاسعة من صحراء الكويت عموماً وفي اللياح خصوصاً، الأمر الذي بات يهدِّد النوعية البيئية لهذه الصحراء بكاملها. أبرز مظاهر هذا التدهور البيئي المتزايد في الفترة الأخيرة تدمير الكساء النباتي في مناطق شاسعة، وكشف التربة ورمال الصحراء لفعل الرياح، ثم ازدياد معدل الرمال الزاحفة، علاوة على إقامة المحاجر ورمي المخلفات وإقامة المنشآت وحركة الآليات.
هذه الأسباب كلها وغيرها أوجدت مصادر جديدة لحركة الرمال لتتأثر بذلك المناطق الواقعة وسط المسارات الطبيعية لحركة الرمال كغرب الجهراء، ومنطقة كبد، والصبية، وأم الهيمان، والوفرة، والسالمي، والمناطق الساحلية الجنوبية. أدى هذا كله إلى زيادة ملحوظة في زحف الرمال وتكرار العواصف الغبارية وكمياتها، وهبوب عواصف أشد عتواً وأوسع انتشاراً. حتى إنها أصبحت تهبّ في غير أوقاتها المعهودة.للحدّ من مخاطر هذة التغيرات المناخية أولت حكومتنا الرشيدة اهتماماً كبيراً بحماية الحياة الفطرية وتوسعت بإنشاء محميات طبيعية، ومن بينها إعادة تأهيل مقالع الصلبوخ في منطقة اللياح، والتي تعرضت للقضاء الكامل على الحياة الفطرية، وفقد التنوع الحيوي، وتدني إمكانات التربة. من ثم تشوه سطح الأرض، وتغير ملامحها. ذلك كله، نتيجة الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية في هذة المنطقة. تقع منطقة اللياح على بعد 20 كيلومتراً شمال الجهراء، وتعادل مساحتها 179.00 كم2 أي 1.11% من مساحة الكويت. هي عبارة عن محاجر للصلبوخ رُدمت وسوِّرت وأعيد تأهيلها بتعاون بين معهد الكويت للأبحاث العلمية برئاسة الدكتور ناجي المطيري واللجنة الأمنية التابعة لمجلس الوزراء برئاسة الفريق محمد البدر رحمه الله.
غرس النباتات
خلال المرحلة الأولى غُرس وزُرع نحو 35,000 من النباتات الفطرية والمقاومة للجفاف كالعوسج والآراك والقرظي والعرفج والاثل والطلح والسدر والرمث، زُرعت تحديداً في المحاجر التي رُدمت في الجزء الشمالي من منطقة اللياح خلال الفترة بين مارس 2011 ومايو 2012 بهدف الوصول إلى 50,000 أو 60,000 من النباتات الفطرية في هيئة جزر نباتية تنشر البذور في أشد المناطق المتدهورة في اللياح خصوصاً والكويت عموماً. واللافت أن فريق الطيور في جمعية البيئة الكويتية رصد العام الماضي كثيراً من الطيور في منطقة اللياح مكونة من 33 فصيلة بعدما كانت صفراً في 2003، ما يدلّ على نشاط واضح في الحياة الفطرية. كذلك لوحظ نشاط نوعي للحيوانات الفطرية والحشرات في مناطق الصلبوخ المردومة.وباشر الفريق العلمي المكلف بمحمية اللياح بوضع النباتات في هيئة خمس جزر نباتية متقاربة، بهدف تعاضدها مع بعضها بعضاً ضدّ الظروف البيئية الشديدة في المنطقة، وهي تسقى وفق نظام علمي محدد، ووضعت هذه الجزر النباتية بالجهة الغربية للاستفادة القصوى من اتجاهات الرياح في نشر البذور.مرحلتان
قسَّم الفريق إعادة تأهيل المحمية إلى مرحلتين: طبيعية وصناعية. يتمثل التأهيل الطبيعي في توفير الحماية الطبيعية عن طريق التسييج ليوفر الظروف البيئية المناسبة للمنطقة فيعطيها الفرصة لإعادة تأهيل بنيتها، ذلك بعيداً عن أية أنشطة من شأنها الإخلال بالظروف المراد توافرها لنمو النباتات وتكاثرها وازدهارها، بعد الانتهاء من وضع السياج ومنع أية أنشطة بشرية كالرعي والتخييم والصيد في المنطقة. من ثم، يؤدي ذلك إلى ازدهارها بالغطاء النباتي والحياة الفطرية.أما التأهيل الصناعي فقد باشر الفريق بنقل البذور التي تجمعت من مناطق متعددة وعمل على تجفيفها وتنقيتها لتكون جاهزة للزراعة وخلطها بتربة معدة خصيصاً لذلك. بعد ذلك، حرص على نشرها في مواقع مختارة، وذلك بعد هطول أول الأمطار على المنطقة مباشرة. ولم يفت الفريق توفير مصدر دائم لمياه الشرب من خلال حفر بئر وضخ مياهها في بحيرة صناعية أسهمت في عودة الطيور والأحياء البرية، تحديداً بعد نمو الأشجار التي تصلح لبناء أعشاش الطيور.تجربة ناجحة
نجح الفريق في تطبيق تجربة ناجحة من خلال استعمال المواد الصديقة للبيئة من مخلفات الأشجار ووضعها على أشكال متعددة (هلالية ورباعية) على حواف الأودية لحجز مياه الأمطار المنسابة من خط تصريف المياه باتجاه الأودية. ووجد أن لهذه المواد القدرة على زيادة خصوبة ونفاذية المياه في التربة المتدهورة. كذلك تُستخدم هذه المواد في المحميات الصغيرة في اتجاه الرياح، ذلك لما لها من قدرة عجيبة في زيادة الحياة الفطرية النباتية والحيوانية على حد سواء.توصيات الفريق المشرف
أوصى الفريق العلمي المشرف على هذا المشروع القومي بوضع حلول علمية ومناسبة للمناطق المتدهورة كافة في البلاد، واتخاذ التدابير الممكنة لحماية البيئة الصحراوية، وصيانة المناطق التي ما زالت تحافظ على نوعيتها البيئية الطبيعية، وإصلاح تلك التي دُمرت بفعل الأنشطة البشرية. وأوضح الفريق أن ذلك يتحقق بانتشار محميات بسيطة صغيرة الحجم من 2 إلى 5 كم2 بدل المحميات الكبيرة بهيئة جزر نباتية تُغرس فيها الأشجار الفطرية وتتمركز في الخباري والأودية. وتعمل هذه الجزر النباتية كمصدر للبذور للمناطق المحيطة، ويُراعى في توزيعها أن تغطي المناطق المتضررة كافة.كذلك يجب أن تفتح السواتر الترابية في أماكن الخباري والأودية كي يعود النظام الهيدرولوجي في المنطقة إلى طبيعته السابقة قبل إنشاء هذه الأسيجة أو السواتر الترابية، والعمل بطريقة الحرث الميكانيكي للطرق الترابية الفرعية والإبقاء على الرئيسة منها فحسب، إذ وجد أن للحرث الميكانيكي قبل موسم الأمطار دوراً فاعلاً في عودة الغطاء النباتي، فالبذور التي تنتقل مع الرمال السافية تنحشر في ثنايا المنطقة المحروثة وتنمو النباتات الفطرية مجدداً في المنطقة.زيارة الخبراء وإشادتهم بالتجربة
بعد نجاح هذة التجربة في محمية اللياح زار المنطقة خبراء تابعون لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهي جهة معنية بالبيئة وتابعة لمعهد الدراسات الصحراوية في آريزونا بالولايات المتحدة الأميركية، كذلك خبراء بيئيون عرب وأجانب واعتبروها مثالاً رائعاً لإعادة تأهيل المناطق المتدهورة في المناطق الصحراوية شديدة الجفاف. كذلك أقيمت دورات تدريبية شملت المدارس التابعة لوزارة التربية بتلامذتها الذين زاروا المحمية وشاركوا في غرس النباتات البرية الفطرية. كذلك أقيمت ورش توعوية، من بينها ورشة إعادة تأهيل محمية اللياح.