بعد مرور عقدين على حرب صربيا مع إقليم كوسوفو السابق، يدرس الدبلوماسيون والقادة فكرة كانت تُعتبر خطاً أحمر.يكثر الحديث في بلغراد وبريشتينا عن "التقسيم"، و"تعديل الحدود"، و"ترسيمها" مع الأمل في التوصل إلى تقدّم يدفع صربيا أخيراً إلى الاعتراف باستقلال كوسوفو ويمهد الطريق أمام انضمام كلا البلدين إلى الاتحاد الأوروبي.
حدود ملائمة
أعلن الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش أنه يريد "حدوداً ملائمة" مع كوسوفو، التي ينتمي 90% من سكانها إلى الإثنية الألبانية، فقال: "أسعى إلى إقامة هذه الحدود مع ألبان كوسوفو، وهذه سياستي. يشكل التعامل بطريقة مختلفة مع الأراضي من دون فكرة واضحة عمن يملك معرفة مصدر صراع محتمل دائماً".يُعتبر تصريح فوتشيتش إحدى المرات الأولى التي يناقش فيها علانية احتمال اعتراف بلغراد بكوسوفو، علماً أن هذه خطوة أكدت الحكومات الصربية المتعاقبة السابقة أنها لن تحدث مطلقاً، إذ تعتبر صربيا كوسوفو مهد إيمانها المسيحي الأرثوذكسي بسبب ما تضمه هذه المنطقة من أديرة تعود إلى العصور الوسطى، وظل التقسيم الخطة البديلة طوال عقدين، مشكلاً طريقة للتعويض عن خسارة الصرب المذلة لموطن أجدادهم.تصحيح الحدود
عاودت هذه الفكرة الظهور عندما أمل الغرب توصل كوسوفو وصربيا إلى سلام دائم، فأعلن رئيس كوسوفو هاشم ثاتشي، الذي خاض مع فوتشيتش سنوات من المحادثات التي رعتها بروكسل، أنه يؤيد "تصحيح الحدود" لتصبح ثلاث دوائر بلدية ينتمي سكانها بغالبيتهم إلى الإثنية الألبانية في وادي بريسيفو الصربي جزءاً من كوسوفو.تسعى بريشتينا إلى الانضمام إلى الأمم المتحدة، لكن صربيا أعاقت مسعاها هذا بالتعاون مع حليفتها روسيا، فقد أعلنت كوسوفو استقلالها قبل عقد، واعترف بها أكثر من 110 دول، منها 23 دولة من 28 في الاتحاد الأوروبي.تسوية مسائل
بدأت بلغراد وبريشتينا التفاوض تحت رعاية الاتحاد الأوروبي في عام 2011، محاولتَين تسوية مسائل مثل السيطرة على بنية الطاقة التحتية في كوسوفو، وحرية الحركة، والأهم من ذلك، مستقبل الصرب المتبقين. ومع تجدد الزخم أخيراً في عمليات السلام المعطلة في البلقان عقب صفقة التسمية بين اليونان ومقدونيا، تبذل بروكسل وواشنطن مساعي حثيثة لحل الخلاف بين كوسوفو وصربيا، ويبدو أنهما منفتحتان على فكرة تبادل الأراضي، مع أن ألمانيا والمملكة المتحدة أعربتا عن معارضتهما.علاوة على ذلك، وجهت مجموعة من ثلاثين منظمة غير حكومية في كوسوفو وصربيا إلى فيديريكا موغيريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي، رسالة حضتها فيها على الإدلاء "بتصريح قوي ضد تقسيم كوسوفو أو تبادل الأراضي بين كوسوفو وصربيا على أسس إثنية".دور الإثنيات
ينتمي نحو 5% من سكان كوسوفو إلى الإثنية الصربية، ويبدو شمال نهر إيبار الذي يعبر وسط مدينة ميتروفيتشا المنقسمة، أن أراضي أربع بلديات ذات الغالبية الصربية تخضع للمناقشة من قبل فوتشيتش وثاتشي. منذ الحرب، تحمّل الصرب المحليون مشقة عدم التفاعل مع مؤسسات بريشتينا على أمل أن يبقى الشمال جزءاً من صربيا إذا اضطرت بلغراد في نهاية المطاف إلى الاعتراف باستقلال كوسوفو.لكن 60% من صرب كوسوفو ومعظم أديرتهم الأرثوذكسية القيمة موزعة في مختلف أرجاء كوسوفو جنوب نهر إيبار، ويخشى الصرب المحليون أن يعني التقسيم نهاية مجتمعهم.تبدل جذري
يذكر ميودراغ ميليسيفيتش الذي يدير منظمة Aktiv غير الحكومية في ميتروفيتشا: "لن يدعم انقسام الشمال أي صربي يعيش جنوب نهر إيبار لأن ذلك سيؤدي إلى إضعاف القاعدة الصربية في كوسوفو إلى حد كبير"، وأكّد أن التطورات الأخيرة قد تعني تبدلاً جذرياً في الاتجاه المتبع.يضيف: "بدأت كوسوفو حقاً بالتزام التعددية الإثنية والبقاء كبلد متعدد الإثنيات، ومع هذا النوع من السيناريوهات، لا أرى ما السبيل إلى المضي قدماً".يوضح دان سروير، بروفيسور في مدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة ودبلوماسي أميركي سابق في منطقة البلقان، أن تبادل الأراضي المحتمل سيفتح "صندوق بندورا" في البلقان، حيث يضم كل بلد خليطاً من الإثنيات والانتماءات الدينية، ويتابع: "من الغباء الاعتقاد أن نقل الحدود يحل المشكلة".أما نعيم راشيتي، المدير التنفيذي لمجموعة البلقان للأبحاث السياسية، فيعتبر أن المقاومة الأميركية والأوروبية الظاهرة لتغيير الحدود تنبع من الخوف من أن تشهد المنطقة تأثير دومينو متسلسلاً، لكنه يستدرك مضيفاً: "أرى في الوقت عينه مخاوف كثيرة من أن هذه المشكلة، إذا لم تُحل، فقد تقود إلى العنف، وفرض أمر واقع، والتقسيم في مطلق الأحوال".صرب البوسنة
تشمل الدول الأكثر تأثراً باحتمال تقسيم كوسوفو البوسنة والهرسك، فقد تحدث رئيس كيانها الأصغر، جمهورية صرب البوسنة التي تضم 49% من أراضي هذا البلد، عن الانفصال علانية، لكن ميركل في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البوسني دينيس زفزيديتش نفت فكرة تبديل الحدود في البلقان،وأكّدت: "تكامل أراضي دول غرب البلقان واقع راسخ وغير قابل للانتهاك"، وأضافت: "علينا أن نكرر هذا مراراً لأننا نرى محاولات للحديث ربما عن الحدود، ولا يمكننا ذلك".لكن يلينا ميليتش من مركز الدراسات الأوروبية-الأطلسية في بلغراد تشير إلى أن التسوية ضرورية لموصلة سير صربيا على درب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ففي مقابل الاعتراف بكوسوفو، "يحتاج فوتشيتش إلى ما يحفظ ماء وجهه"، وفق ميليتش، التي تنبه من المشاعر القوية الموالية لروسيا في صربيا، تقول: "إذا كان القليل من المرونة من جهة الاتحاد الأوروبي وكوسوفو يقرّب صربيا خطوة من إنعاش العلاقات الأميركية-الصربية، فأنا أؤيده بالكامل".